٣٠٤٧ - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: ثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ: " انْطَلِقْ بِنَا، لَعَلَّهُ أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا " فَجَاءَ إلَى الْبَابِ فَقَالَ: " هَاهُنَا هُوَ " فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَخَرَجَ مَعَهُ بِقُبَاءٍ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ يُرِي أَبِي مَحَاسِنَ الْقَبَاءِ وَيَقُولُ: " خَبَّأْتُ هَذَا لَكَ، خَبَّأْتُ هَذَا لَكَ ". فَقُلْتُ: لِأَيِّ شَيْءٍ فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا بِمَخْرَمَةَ فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ يَتَّقِي لِسَانَهُ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ قَوْمٌ يَدْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ وَيَقُولُونَ: مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ ذَلِكَ الْقَبَاءَ وَهُوَ مِمَّا أَفَاءهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، ⦗٥٢⦘ وَلَهُ فِي ذَلِكَ شُرَكَاءُ ; لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْفَيْءَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى، فَلِلَّهِ، وَلِلرَّسُولِ، وَلِذِي الْقُرْبَى، وَالْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: ٧] . فَتَأَمَّلْنَا مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ وَمَا أَنْكَرُوهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَفَوْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْنَاهُ فَاسِدًا ; لِأَنَّ الْأَفْيَاءَ الَّتِي أَفَاءَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِنْفَانِ: أَحَدُهُمَا الصِّنْفُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْتُهَا، وَالصِّنْفُ الْآخَرُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي السُّورَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: ٦] ، فَكَانَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْءِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ النَّاسِ جَمِيعًا، فَكَانَتْ مِلْكًا لَا فَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ، وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ النَّاسِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَسْتَأْثِرْهَا لِنَفْسِهِ، وَرَدَّهَا فِي إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَإِصْلَاحِ قُلُوبِ مَنْ يَخَافُ فَسَادَ قَلْبِهِ عَلَيْهِمْ , وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْتَحِلُ مَا يَنْتَحِلُونَ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ قُوَّةِ الْإِيمَانِ مَا مَعَهُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زِيَادَةً فِي فَضْلِهِ، وَجَلَالَةً لِمَنْزِلَتِهِ، وَإِعْظَامًا لِحُقُوقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، وَطَلَبًا مِنْهُا الْأُلْفَةَ بَيْنَ أُمَّتِهِ، وَدَفْعِ الْمَكْرُوهِ فِيمَا يُخَافُ مِنْ بَعْضِهَا عَلَى بَقِيَّتِهَا، فَكَانَتْ قِسْمَتُهُ تِلْكَ الْأَقْبِيَةَ بَيْنَ مَنْ قَسَّمَهَا عَلَيْهِ مِنْهُمْ لِذَلِكَ , وَكَانَ لِبَاسُهُ الْقَبَاءَ الْمَذْكُورَ لُبْسُهُ إيَّاهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ بِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ خَبَّأَهُ لِمَخْرَمَةَ فَلَمْ يَمْلِكْهُ مَخْرَمَةُ بِذَلِكَ , وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِقَبْضِهِ إيَّاهُ مِنْهُ، وَتَسْلِيمِهِ إيَّاهُ إلَيْهِ , وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute