للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٩٩ - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ أَبِي زَنْبَرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، ⦗٢٧٤⦘ أَنَّ نَبْهَانَ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ قَالَ فَكُنْتُ أَتَمَسَّكُ بِهَا كَيْمَا أَدْخُلَ عَلَيْهَا وَأَرَاهَا فَقَالَتْ وَهِيَ تَسِيرُ: مَاذَا بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ كِتَابَتِكَ يَا نَبْهَانُ؟ قُلْتُ: أَلْفَا دِرْهَمٍ قَالَتْ: فَهُمَا عِنْدَكَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَتِ: ادْفَعْ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ كِتَابَتِكَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ فَإِنِّي قَدْ أَعَنْتُهُ بِهِمَا فِي نِكَاحِهِ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ , ثُمَّ أَلْقَتْ دُونِيَ الْحِجَابَ، فَبَكَيْتُ وَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أُعْطِيهَا إيَّاهَا أَبَدًا قَالَتْ: إنَّكَ وَاللهِ يَا بُنَيَّ لَنْ تَرَانِي أَبَدًا , إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إلَيْنَا أَنَّا " إذَا كَانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إحْدَاكُنَّ وَفَاءٌ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ فَاضْرِبْنَ دُونَهُ الْحِجَابَ "

٣٠٠ - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ نَبْهَانَ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ. فَتَأَمَّلْنَا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيهِ لِزَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ بَعْدَ وُقُوفِنَا بِهِ وَبِمَا سِوَاهُ مِنَ الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي الْكِتَابَةِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُعْتَقُ بِإِلْقَاءِ الْحِجَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ كَاتَبَهُ عَلَيْهَا ⦗٢٧٥⦘ ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا: " إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي " مِمَّا قَدْ بُيِّنَ فِي بَعْضِ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ مِنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ الْوَفَاءُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ , وَهُوَ غَيْرُ عَتِيقٍ يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَهُ قَبْلَ أَدَائِهِ إيَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ كِتَابَتِهِ إلَى مَنْ كَانَ كَاتَبَهُ وَوَجَدْنَا اللهَ تَعَالَى ذَكَرَ مَا أَبَاحَ لِأَزْوَاجِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ النَّظَرِ إلَى مَنْ أَبَاحَ لَهُنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ مِنَ النَّاسِ وَأَبَاحَ لِمَنْ أَبَاحَ لَهُنَّ ذَلِكَ مِنْهُ النَّظَرَ إلَيْهِنَّ بِقَوْلِهِ: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ} [الأحزاب: ٥٥] إلَى {وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [الأحزاب: ٥٥] . فَوَجَدْنَا مَنْ كَاتَبَهُنَّ مِمَّا ذَكَرْنَا قَدْ دَخَلَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ بِالدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَكَانَ مَا دَلَّ عَلَى مَنْ كَاتَبْنَ مِنَ الْمُكَاتَبَةِ مِمَّا إذَا أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ الَّذِي قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ عُتِقَ بِهِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى سَيِّدَتِهِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ تَأْخِيرُهُ ذَلِكَ لِيَسَعَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا بِمِلْكِهَا إيَّاهُ حَرَامًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مَنَعَ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِيَبْقَى لَهُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا أَدَّى ذَلِكَ الْوَاجِبَ لِمَنْ هُوَ لَهُ عَلَيْهِ فَهَذَا وَجْهُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ: " إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ " وَمِمَّا يُسْتَخْرَجُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْأَحْكَامِ مِمَّا يَدْخُلُ فِيهِ مَعَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النَّاسِ أَنَّا قَدْ وَجَدْنَا الْمُكَاتَبَةَ فِي حَالِ مُكَاتَبَتِهَا لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِلَا قِنَاعٍ وَإِذَا بَرِئَتْ مِنْ مُكَاتَبَتِهَا بِأَدَائِهَا إيَّاهَا إلَى مَنْ كَاتَبَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا وَكَانَ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ كَمَا تُصَلِّي سَائِرُ النِّسَاءِ بِقِنَاعٍ , فَاحْتِبَاسُهَا مُكَاتَبَتَهَا لِيَتَّسِعَ ذَلِكَ لَهَا فِي صَلَاتِهَا حَرَامٌ عَلَيْهَا ⦗٢٧٦⦘ وَرَأَيْنَاهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ طَلَاقِهِ إيَّاهَا. تَعْتَدُّ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَإِذَا أَدَّتْ فَعَتَقَتْ حَالَتْ عَنْ ذَلِكَ وَكَانَتْ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنَ الْعِدَّةِ كَسَائِرِ النِّسَاءِ الْحَرَائِرِ سِوَاهَا وَكَانَتْ فِي عِدَّتِهَا قَبْلَ أَدَائِهَا مُكَاتَبَتَهَا لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ وَبَعْدَ أَدَائِهَا إيَّاهَا عَلَيْهَا فِيهَا مِنَ الْإِحْدَادِ مَا عَلَى سَائِرِ الْحَرَائِرِ سِوَاهَا فِي مِثْلِهَا فَإِذَا احْتَبَسَتْ مُكَاتَبَتَهَا لِيَتَّسِعَ لَهَا مَا يَحِلُّ لَهَا مِنْ ذَلِكَ وَلِتَكُونَ فِي عِدَّتِهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَرَائِرِ سِوَاهَا كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَيْهَا وَرَأَيْنَاهَا فِي مُكَاتَبَتِهَا لَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِلَا مَحْرَمٍ إلَى حَيْثُ شَاءَتْ وَهِيَ بَعْدَ أَدَائِهَا مُكَاتَبَتِهَا فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ هَذَا الْحُكْمِ فَإِذَا احْتَبَسَتْ مُكَاتَبَتَهَا لِيَتَّسِعَ لَهَا هَذَا الْمَعْنَى كَانَ حَرَامًا عَلَيْهَا وَوَجَدْنَا سَائِرَ الْمُكَاتَبِينَ مِنَ الذُّكْرَانِ فِي حَالِ مُكَاتَبَاتِهِمْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَهُمْ فِيهَا بَعْدَ أَدَائِهِمْ مُكَاتَبَاتِهِمْ وَعَتَاقِهِمْ بِذَلِكَ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَوَاتِ عَلَيْهِمْ كَوُجُوبِهَا عَلَى سَائِرِ ذَوِي الزَّكَوَاتِ مِنْهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ فَإِذَا احْتَبَسُوا مُكَاتَبَتَهُمْ لِسُقُوطِ الزَّكَوَاتِ عَنْهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ لَوْ أَدَّوْا مُكَاتَبَتَهُمْ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ. فَهَذِهِ وُجُوهٌ مِنْ وُجُوهِ الْفِقْهِ مَوْجُودَةٌ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي خَاطَبَ بِهِ زَوْجَتَهُ أُمَّ سَلَمَةَ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْفِقْهِ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا وَالتَّأَمُّلُ لَهَا فِي أَقْوَالِ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْفَوَائِدِ وَمِنَ الْمَعَانِي الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللهُ تَعَالَى مِمَّا يُنَزِّلُهُ فِي كِتَابِهِ وَمِمَّا يُجْرِيهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>