للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣١٤٦ - وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الدَّرَاوَرْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَجُونِ فَقَالَ: " وَاللهِ، إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إلَى اللهِ، وَلَوْ أَنِّي لَمْ أُخْرَجْ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ ⦗١٧٢⦘ كَانَ قَبْلِي "، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: " وَلَا تُلْتَقَطُ ضَالَّتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ "، فَقَالَ رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ شَاهٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا الْإِذْخِرَ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ. فَسَأَلَ سَائِلٌ عَمَّا أُضِيفَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إلَى الْعَبَّاسِ أَوْ إلَى مَنْ ذُكِرَ سِوَاهُ، مِنْ قَوْلِهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذَكَرَ حُرْمَةَ شَجَرِ مَكَّةَ وَحُرْمَةَ خَلَاهَا: إِلَّا الْإِذْخِرَ، اسْتِثْنَاءً مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ مِنَ الْعَبَّاسِ وَأَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَارُّ أَحَدًا عَلَى ذَلِكَ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ ثَابِتَةٌ صَحِيحَةُ الْمَجِيءِ مَقْبُولَةٌ كُلُّهَا , وَأَنَّ الَّذِي كَانَ مِنَ الْعَبَّاسِ أَوْ مِمَّنْ سِوَاهُ فِيهَا غَيْرُ مُنْكَرٍ مِنْ مِثْلِهِ , وَأَنَّ تَرْكَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْكَارَ ذَلِكَ ⦗١٧٣⦘ عَلَيْهِ غَيْرُ مُنْكَرٍ أَيْضًا، وَكَيْفَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ مَا هُوَ مَحْمُودٌ فِيهِ، إذْ قَدْ عَلِمَ مِنْ حَاجَةِ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى الْإِذْخِرِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْهَا، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، طَلَبَ مِنْهُ مُرَاجَعَةَ رَبِّهِ فِي ذَلِكَ، كَمَا سَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا افْتَرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ التَّخْفِيفَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، حَتَّى رَدَّهَا إلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، وَكَمَا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعَ فِي ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، حَتَّى رُدَّ إلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنَ الْعَبَّاسِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَكَانَ قَوْلُهُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ، وَقَطْعُهُ الْكَلَامَ عِنْدَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِفَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَادَهُ مِنْهُ، مِنْ سُؤَالِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ، فَغَنِيَ عَنِ الْكَلَامِ بِهِ، كَمَا تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ فِي كَلَامِهَا لِلِاخْتِصَارِ السُّكُوتَ عَنِ الْكَلَامِ بِهِ، لِعِلْمِهَا بِفَهْمِ مَنْ تُخَاطِبُهُ بِذَلِكَ مَا خَاطَبَتْهُ بِهِ مِنْ أَجْلِهِ حَتَّى يَأْتُوا بِبَعْضِ الْكَلِمَةِ، وَيَتْرُكُوا بَقِيَّتَهَا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: كَفَى بِالسَّيْفِ شَا، يُرِيدُونَ شَاهِدًا، حَتَّى تَعَالَى ذَلِكَ أَنْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد: ٣١] ، ثُمَّ قَطَعَ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ، وَهُوَ مِمَّا قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ مَا هُوَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ: لَكَفَرُوا بِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ: لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: ١٠] وَتَرَكَ ذِكْرَ مَا كَانَ يَكُونُ لَوْلَا فَضْلُهُ وَرَحْمَتُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ ⦗١٧٤⦘ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: ٩] ثُمَّ قَالَ: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩] وَتَرَكَ ذِكْرَ مَنْ لَيْسَ هُوَ مِثْلَهُ لِغِنَاهُ عَنْ ذَلِكَ بِفَهْمِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ. فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْعَبَّاسِ، أَوْ مَنْ قَالَهُ سِوَاهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِلَّا الْإِذْخِرَ " غَنِيُّ عَنِ اسْتِتْمَامِ الْكَلَامِ بِمَا أَرَادَ؛ لِعِلْمِهِ بِفَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا أَرَادَ. فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: فَقَدْ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ الْجَوَابُ بِلَا زَمَانٍ فِيمَا بَيْنَ السُّؤَالِ وَبَيْنَ الْجَوَابِ يَكُونُ فِيهِ الْوَحْيُ لِذَلِكَ الْجَوَابِ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ فِي لَطِيفِ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى مَجِيءَ الْوَحْيِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ حَيْثُ لَا نَعْقِلُ نَحْنُ مَجِيءَ مِثْلِهِ فِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَا كَانَ بِإِلْقَاءِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ إلَيْهِ، كَمَا قَالَ لِلَّذِي سَأَلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: " أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، يُكَفِّرُ اللهُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ " فَقَالَ: " نَعَمْ "، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ لَهُ: " إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ دَيْنٌ، كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى حُضُورِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابَهُ الْأَوَّلَ وَقَوْلَهُ مَا قَالَهُ لِسَائِلِهِ جَوَابًا ثَانِيًا. وَإِذَا كُنَّا قَدْ رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ فِي وَقْتِ مُهَاجَاتِهِ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ: " ⦗١٧٥⦘ اهْجُهُمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ ". وَإِذَا كَانَ جِبْرِيلُ لِمُهَاجَاتِهِ قُرَيْشًا مَعَ حَسَّانَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَوْنِهِ مَعَهُ فِي خُطْبَتِهِ الَّتِي يُخْبِرُ النَّاسَ فِيهَا عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِشَرَائِعِ دِينِهِمْ وَبِفَرَائِضِهِ عَلَيْهِمْ أَوْلَى، وَبِكَوْنِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَحْرَى، فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ أَنْ لَا مُنْكِرَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ هَذَا الْجَاهِلُ بِآثَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ، وَاللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>