للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٣٥٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ الْبَغْدَادِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَكِّيُّ قَالَا حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى النَّسَائِيُّ أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ حَفْصٍ وَهُوَ ابْنُ غَيْلَانَ أَبُو مَعْبَدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى يُتْرَكُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: " إذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ ". قِيلَ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " إذَا ظَهَرَ الْإِدْهَانُ فِي خِيَارِكُمْ، وَالْفَاحِشَةُ فِي شِرَارِكُمْ، وَتَحَوَّلَ الْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ، وَالْفِقْهُ فِي أَرَاذِلِكُمْ ". ⦗٤١٨⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَبَدَأْنَا مِنْهُ بِطَلَبِ مُرَادِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ فِينَا مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ مَا ذَلِكَ الَّذِي كَانَ ظَهَرَ فِيهِمْ؟ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ هُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى مِنْ صَاحِبِهِ الْخَطِيئَةَ فَيَنْهَاهُ تَعْذِيرًا، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَالَسَهُ وَوَاكَلَهُ وَشَارَبَهُ، كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ عَلَى خَطِيئَتِهِ بِالْأَمْسِ، فَلَمَّا رَأَى اللهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ دَاوُدَ، وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى لِسَانِ السَّفِيهِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى ⦗٤١٩⦘ قُلُوبِ بَعْضٍ، وَيَلْعَنَكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ " فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي يَكُونُ أَهْلُهُ مَلْعُونِينَ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ، الَّذِي يَكُونُ لَا مَعْنَى لِأَمْرِهِمْ بِمَعْرُوفٍ وَلَا لِنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرٍ، ثُمَّ ثَنَّيْنَا بِالْإِدْهَانِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا هُوَ فَوَجَدْنَا الْإِدْهَانَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: التَّلَيُّنُ لِمَنْ لَا يَنْبَغِي التَّلَيُّنُ لَهُ، كَذَلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ. قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: ٩] أَيْ: تَلِينُ لَهُمْ فَيَلِينُونَ لَكَ. فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ إِدْهَانِ الْأَشْرَارِ الْخِيَارَ هُوَ التَّلَيُّنُ لَهُمْ ; لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَيْهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى. ثُمَّ ثَلَّثْنَا بِطَلَبِ مُرَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْوِيلِ الْمُلْكِ فِي الصِّغَارِ مَا هُوَ، فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، الْمُلْكَ الَّذِي إلَى أَهْلِهِ أُمُورُ الْإِسْلَامِ، مِنْ إقَامَةِ الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَجِهَادِ الْعَدُوِّ، وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي إلَى الْأَئِمَّةِ، وَالَّتِي تَرْجِعُ الْعَامَّةُ فِيهَا إلَى مَا عَلَيْهِ أَئِمَّتُهُمْ فِيهَا، فَيَكُونُونَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ مُقْتَدِينَ، وَلِآثَارِهِمْ فِيهِ مُتَّبِعِينَ , وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا الْقِيَامُ بِهِ مِنَ الْكِبَارِ مَوْجُودٌ , وَمِنَ الصِّغَارِ مَعْدُومٌ. ثُمَّ رَبَّعْنَا بِطَلَبِ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالْفِقْهُ فِي أَرَاذِلِكُمْ " فَكَانَ وَجْهُهُ ⦗٤٢٠⦘ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، أَنَّ الْفِقْهَ الَّذِي أَرَادَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْفِقْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>