للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٣٥٦ - حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُوَاءَةَ قَالَ: قُلْنَا لِعَائِشَةَ: حَدِّثِينَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: أَمَا تَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ؟ قُلْنَا: عَلَى ذَلِكَ حَدِّثِينَا عَنْ خُلُقِهِ، فَقَالَتْ: " كَانَ عِنْدَهُ أَصْحَابُهُ، فَصَنَعَتْ لَهُ حَفْصَةُ طَعَامًا وَصَنَعْتُ لَهُ طَعَامًا، فَسَبَقَتْنِي إلَيْهِ حَفْصَةُ، فَأَرْسَلَتْ مَعَ جَارِيَتِهَا بِقَصْعَةٍ، فَقُلْتُ لِجَارِيَتِي: إنْ أَدْرَكْتِيهَا قَبْلَ أَنْ تَهْوِيَ بِهَا فَارْمِي بِهَا، فَأَدْرَكَتْهَا وَقَدْ أَهْوَتْ بِهَا، فَرَمَتْ بِهَا فَوَقَعَتْ عَلَى النِّطْعِ فَانْكَسَرَتِ الْقَصْعَةُ وَتَبَدَّدَ الطَّعَامُ، فَجَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامَ فَأَكَلُوهُ، ثُمَّ وَضَعَتْ جَارِيَتِي قَصْعَةَ الطَّعَامِ، فَقَالَ لِجَارِيَةِ حَفْصَةَ: " خُذِي هَذَا الطَّعَامَ فَكُلُوا، وَاقْبِضُوا الْجَفْنَةَ مَكَانَ ظَرْفِكُمْ ". قَالَتْ: " وَلَمْ أَرَ فِي وَجْهِهِ غَضَبًا، وَلَمْ يُعَاتِبْنِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". ⦗٤٢٦⦘ فَقَالَ قَائِلٌ: مِنْ أَيْنَ جَازَ لَكُمْ تَرْكُ مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي رُوِّيتُمُوهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَقْبُولَةِ فَلَمْ تَقُولُوا بِهَا وَخَالَفْتُمُوهَا إلَى أَضْدَادِهَا؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّهُ لَوْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الْآثَارَ لَمَا وَجَدَنَا لَهَا مُخَالِفِينَ , وَلَا عَنْهَا رَاغِبِينَ , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ مِنْ إحْدَاهُمَا فِي صَحْفَةِ الْأُخْرَى مَا كَانَ كَانَتَا زَوْجَتَيْنِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِ , وَهُمَا فِي عَوْلِهِ، فَكَانَتِ الصَّحْفَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ فِي هَذِهِ الْآثَارِ جَمِيعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَوَّلَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي كَانَتْ مِنَ الْمَرْأَةِ الْمُتْلِفَةِ لِصَحْفَةِ صَاحِبَتِهَا إلَى بَيْتِ الْمُتْلَفِ عَلَيْهَا صَحْفَتُهَا , وَحَوَّلَ الصَّحْفَةَ الْمَكْسُورَةَ إلَى بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْهَا , وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا تَوَهَّمُ هَذَا الْمُحْتَجَّ عَلَيْنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي أَنْكَرَهُ عَلَيْنَا وَعَدَّنَا بِهِ مُخَالِفِينَ لِمَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَا أَهْلُ الْعِلْمِ جَمِيعًا عَلَيْهِ مُجْمِعُونَ , وَبِهِ قَائِلُونَ فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَأَتْلَفَ بِعَتَاقِهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ فِيهِ ضَمَانَ قِيمَةِ نَصِيبِهِ لَا نِصْفَ عَبْدٍ مِثْلِهِ , وَسَنَذْكُرُ هَذَا , وَمَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى , وَفِي اتِّفَاقِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مَعَ إيجَابِهِمْ فِيهِ إتْلَافَ الْأَشْيَاءِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَكِيلَاتِ، وَمِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَوْزُونَاتِ أَمْثَالَهَا لَا قِيمَتَهَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي إتْلَافِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا أَمْثَالَ لَهَا بِكَيْلِ وَلَا بِوَزْنِ قِيَمِهَا لَا أَمْثَالِهَا. ⦗٤٢٧⦘ قَالَ: فَقَدْ جَعَلْتُمْ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ , وَجَعَلْتُمْ فِي الْجَنِينِ الْمُلْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَيِّتًا غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ , وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْحَيَوَانِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتْلَفَاتِ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا لَيْسَ مِمَّا كُنَّا نَحْنُ وَهُوَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ ; لِأَنَّ النَّفْسَ الْمَجْعُولَ فِيهَا مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ لَيْسَتِ الْإِبِلُ أَمْثَالًا لَهَا ; وَلِأَنَّ الْجَنِينَ الْمُلْقَى مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَيِّتًا لَيْسَتِ الْغُرَّةُ الَّتِي جَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مِثْلًا لَهُ , وَلَكِنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ تَعَبَّدَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا فَلَزِمْنَاهَا , وَلَمْ نُخَالِفْهَا إلَى ضِدِّهَا. فَقَالَ: فَقَدْ رُوِّيتُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إجَازَتَهُ لِاسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِيهِ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا , وَقَبْلَ تَحْرِيمِ رَدِّ الْأَشْيَاءِ إلَى مَقَادِيرِهَا، لَا زِيَادَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَقَادِيرِهَا، وَلَا نُقْصَانَ فِيهِ عَنْهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ إنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي اسْتِقْرَاضِ بَعِيرٍ اسْتَقْرَضَهُ , وَكَأَنَّ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى ذَلِكَ وَتَمَسَّكُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَعَمِلُوا بِهِ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مَنْسُوخًا قَدْ أَجَازُوهُ فِي اسْتِقْرَاضِ ذُكُورِ الْحَيَوَانِ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى رَفْعِ الْخُصُوصِ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِيمَا اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ , وَكَانَ الْقِيَاسُ حَتْمًا وَاسْتِعْمَالُهُ وَاجِبًا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَوْقِيفَ ⦗٤٢٨⦘ فِيهَا , وَكَانَ الَّذِينَ أَجَازُوا مَا ذَكَرْنَا قَدْ مَنَعُوا مِنَ اسْتِقْرَاضِ الْإِمَاءِ فَلَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ , وَالْأَمَةُ الْمُسْتَقْرَضَةُ تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ مُقْرِضِهَا إنْ جَازَ الْقَرْضُ فِيهَا إلَى مِلْكِ الَّذِي اسْتَقْرَضَهَا، كَمَا تَخْرُجُ بِالْبَيْعِ مِنْ مِلْكِ بَائِعَهَا إلَى مِلْكِ مُبْتَاعِهَا. فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَمَّا وَقَعَتْ فِي اسْتِقْرَاضِ الْأَمَةِ وَقَعَتْ فِي اسْتِقْرَاضِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ , وَأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنَ اسْتِقْرَاضِ الْأَمَةِ لَوْ كَانَ الْقَرْضُ فِي الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَا يُبِيحُ مُسْتَقْرِضُ الْأَمَةِ وَطْأَهَا وَرَدَّهَا إلَى مُقْرِضِهَا، كَمَا لَمْ تَقَعِ الْحُرْمَةُ فِي بَيْعِ الْأَمَةِ الَّتِي يَنْطَلِقُ لِمُبْتَاعِهَا وَطْؤُهَا , وَإِقَالَةُ بَائِعِهَا مِنْهَا. فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: فَقَدْ أَجَزْتُمْ أَنْتُمْ وُجُوبَ الْحَيَوَانِ فِي مَعْنًى مَا وَجَعَلْتُمُوهَا فِيهِ دَيْنًا، مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ قُلْتُمُوهُ فِي التَّزْوِيجِ عَلَى أَمَةٍ وَسَطٍ أَنَّهُ جَائِزٌ، فَكَانَ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تُجِيزُوا الْبَيْعَ بِأَمَةٍ وَسَطٍ بِدَارٍ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّا أَجَزْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا أَجَزْنَا، وَمَنَعْنَا مِمَّا مَنَعْنَا اتِّبَاعًا لِمَا وَجَدْنَا الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الْجَنِينِ مِنَ الْحُرَّةِ بِغُرَّةٍ، وَحَكَمُوا فِي الْجَنِينِ مِنَ الْأَمَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ قَائِلُونَ: إنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ قَائِلُونَ: فِيهِ مَا نَقَصَ أُمَّهُ كَمَا يَكُونُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إذَا ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا , وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّ الْجَنِينَ إذَا كَانَ أُنْثَى فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ , وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ ⦗٤٢٩⦘ مَاتَ. وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. فَلَمَّا جَعَلُوا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ الَّذِي لَيْسَ بِمَالٍ غُرَّةً , وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ الَّذِي هُوَ مَالٌ قِيمَةً عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَا هُوَ مَالٌ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْحَيَوَانِ فِيهِ , وَأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ جَائِزٌ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْحَيَوَانِ , وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى جَوَازِ التَّزْوِيجِ عَلَى الْحَيَوَانِ , وَمَنْعُ الِابْتِيَاعِ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي يَكُونُ فِي الذِّمَمِ، وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>