للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٥٢٩ - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: " كُنَّا نَقْعُدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى إِذَا قَامَ قُمْنَا , فَقَامَ يَوْمًا وَقُمْنَا مَعَهُ , حَتَّى لَمَّا بَلَغَ وَسَطَ الْمَسْجِدِ أَدْرَكَهُ الْأَعْرَابِيُّ , فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ مِنْ وَرَائِهِ , وَكَانَ رِدَاؤُهُ خَشِنًا , فَحَمَّرَ رَقَبَتَهُ , فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ احْمِلْ لِي عَلَى بَعِيرَيَّ هَذَيْنِ , فَإِنَّكَ لَا تَحْمِلُ لِي مِنْ مَالِكَ , وَلَا مِنْ مَالِ أَبِيكَ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا أَحْمِلُ لَكَ حَتَّى تُقِيدَنِي مِمَّا جَبَذْتَ بِرَقَبَتِي " , فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللهِ لَا أُقِيدُكَ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ , كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: وَاللهِ لَا أُقِيدُكَ , فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الْأَعْرَابِيِّ , أَقْبَلْنَا إِلَيْهِ سِرَاعًا , فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " عَزَمْتُ عَلَى مَنْ سَمِعَ كَلَامِي أَنْ لَا يَبْرَحَ مَقَامَهُ حَتَّى آذَنَ لَهُ ". فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ: " احْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرٍ شَعِيرًا , وَعَلَى بَعِيرٍ تَمْرًا " , ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْصَرِفُوا " ⦗١٥٤⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَقَالَ قَائِلٌ: مِنْ أَيْنَ وَسِعَكُمُ الْقَوَدُ فِي مِثْلِ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى خَالَفْتُمُوهُ جَمِيعًا , لَا إِلَى حَدِيثٍ مِثْلِهِ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ , أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَوَدُ الَّذِي طَلَبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيِّ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ مِنَ الْقِصَاصِ , وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى أَنْ يَعُودَ مُتَوَاضِعًا بِالْبَذْلِ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ مِثْلَ الَّذِي فَعَلَهُ , حَتَّى يَكُونَ بِذَلِكَ عَلَى مِثْلِ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي التَّوَاضُعِ عِنْدَ مِثْلِ هَذَا , كَمَا كَانَ مِنْ تَوَاضُعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْنَا , ثُمَّ مِنْ تَوَاضُعِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الَّذِي رُوِّينَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ , وَيَكُونُ ذِكْرُهُ الْقَوَدَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ , كَمَا تَسْتَعِيرُ الْعَرَبُ الْكَلِمَةَ لِلْمَعْنَى الَّذِي فِيهَا مِمَّا اسْتَعَارُوهَا مِنْهُ , مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: هُرَاقَ فُلَانٌ مُهْجَةَ فُلَانٍ , لَيْسَ لِأَنَّ الْمُهْجَةَ مُهْرَاقَةٌ , وَإِنَّمَا الْمُهْرَاقُ الدَّمُ , وَهُوَ مَا وَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَصَاحِبِهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا مِنْ قَوْلِهِ: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: ٧٧] , فَذَكَرَهُ بِالْإِرَادَةِ , وَالْجِدَارُ لَا إِرَادَةَ ⦗١٥٥⦘ لَهُ , وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْهُ مَا يَكُونُ مِنْ ذَوِي الْإِرَادَةِ عِنْدَ إِرَادَتِهِمْ إِلْقَاءَ أَنْفُسِهِمْ إِلَى الْأَرْضِ , فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا أَرَادَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ أَنْ يَبْذُلَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ مِثْلَ الَّذِي يُبْذَلُ بِالْقَوَدِ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنْ لَا حُجَّةَ لِهَذَا الْمُتَأَوِّلِ عَلَيْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ تَأْوِيلِهِ هَذَا , وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>