فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ , بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُكَلِّفْنَا مَا لَا نُطِيقُ , وَقَدْ أَنْبَأَنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثَيْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي ذَلِكَ الْبَابِ مَا لِلْقَاضِي مِنَ الْأَجْرِ إِذَا أَصَابَ الْحَقَّ بِاجْتِهَادِهِ , وَمَا لَهُ مِنَ الْأَجْرِ إِذَا أَخْطَأَهُ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ , فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيمَا لَمْ يَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللهِ مَنْصُوصًا , وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْثُورًا , وَلَا فِي إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ مَوْقُوفًا , وَلَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِاجْتِهَادِهِ الَّذِي قَدْ يَكُونُ مَعَهُ فِيهِ إِصَابَةُ الْحَقِّ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ التَّقْصِيرُ عَنْ ذَلِكَ , وَكَانَ مَا يَقْضِي بِهِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ بِالْقَضَاءِ بِهِ حَقًّا , عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي الْقَاضِي بِهِ فِي الْجَنَّةِ هُوَ ذَلِكَ الْحَقُّ حَتَّى تَصِحَّ هَذِهِ الْآثَارُ , وَلَا تَتَضَادُّ , وَقَدْ وَجَدْنَا مِثْلَ ذَلِكَ قَدْ كَانَ مِنْ نَبِيَّيْنِ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ , وَهُمَا: دَاوُدُ , وَسُلَيْمَانُ , فَحَكَمَا فِي الْحَرْثِ فَاخْتَلَفَا , فَقَالَ اللهُ فِيهِمَا: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٩] , وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُمَا قَدْ حَكَمَا بِاجْتِهَادِ آرَائِهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ عَلَيْهِمَا مَا يَحْكُمَانِ بِهِ , فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ كَذَلِكَ الْحُكَّامُ سِوَاهُمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سُلَيْمَانَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ , فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ , وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ سُؤَالِهِ إِيَّاهُ ذَلِكَ إِلَيْهِ الْحُكْمُ بِحَقِّ النُّبُوَّةِ , فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ حُكْمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute