فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ , عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: " كَانَ سَعِيدٌ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ , وَأَصْحَابٌ لَهُ فِي الطَّائِفِ مُتَحَصِّنِينَ فِي قَلْعَةٍ , فَاسْتُنْزِلُوا مِنْهَا , فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ بِمَكَّةَ , فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: " مَا تَرَى فِي هَؤُلَاءِ النَّفَرِ؟ " , فَقَالَ: " أَرَى أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهُمْ , فَإِنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا إِذْ أَدْخَلْتَهُمُ الْحَرَمَ " , فَقَالَ: " لَا , نُخْرِجُهُمْ مِنَ الْحَرَمِ , ثُمَّ نَقْتُلُهُمْ " , قَالَ: " فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تُدْخِلَهُمْ " , فَأَخْرَجَهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَصَلَبَهُمْ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " لَوْ لَقِيتُ قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا هِجْتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ " فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ ⦗٣٨٠⦘ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَنَّ الْحَرَمَ قَدْ أَجَارَ الْقَوْمَ الَّذِينَ أُدْخِلُوهُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ , وَلَكِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْهُ , فَيُقَامَ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِهِ , فَكَانَ بِمَذْهَبِهِ أَنْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِيهِ مُوَافِقًا لِابْنِ عَبَّاسٍ , وَكَانَ فِي قَوْلِهِ: أَنَّهُمْ يُخْرَجُونَ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ , مُخَالِفًا لَهُ فِي ذَلِكَ , وَكَانَ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ أَوْلَى عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ تُوجُبُ ذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] , وَكَانَ أُولَئِكَ النَّفْرُ قَدْ دَخَلُوهُ , فَأَمِنُوا بِدُخُولِهِمْ إِيَّاهُ , وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ يَجْعَلْ رُجُوعَهُمُ الْحَرَمَ أَمَانًا لَهُمْ , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ دُخُولُهُمْ إِيَّاهُ بِاخْتِيَارِهِمْ لِذَلِكَ , وَإِنَّمَا كَانَ بِفِعْلِ غَيْرِهِمْ إِيَّاهُ بِهِمْ , لِأَنَّ دُخُولَهُمْ إِيَّاهُ بِاخْتِيَارِهِمْ طَلَبًا لِلْأَمَانِ بِهِ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ , وَإِدْخَالُ غَيْرِهِمْ إِيَّاهُمْ إِيَّاهُ لَيْسَ فِيهِ طَلَبٌ مِنْهُمْ لِلْأَمَانِ بِهِ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ , فَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ ذَلِكَ الدُّخُولُ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ , فَيَعُودُ مَعْنَى مَا كَانَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا لَا خِلَافَ فِيهِ , لِمَا كَانَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ. فَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّمَا كَانَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] عَلَى الصَّيْدِ , لَا عَلَى مَا سِوَاهُ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ مِنْهُ بِاللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ , لَكَانَتْ: وَمَا دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا؛ لِأَنَّ: مَنْ , لَا يَكُونُ إِلَّا لِبَنِي آدَمَ , وَيَكُونُ لِمَنْ سِوَاهُمْ مَكَانَهَا: مَا , كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: ٣] , فِي أَمْثَالٍ لِهَذَا فِي الْقُرْآنِ يَطُولُ ذِكْرُهَا , وَكَانَتْ: مَنْ , مُسْتَعْمَلَةً فِي بَنِي آدَمَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ} [البقرة: ١٢٦] , وَكَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: ٦٨] , وَكَقَوْلِهِ: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ ⦗٣٨١⦘ مُبَيِّنَةٍ} [الأحزاب: ٣٠] , وَأَشْبَاهٌ لِهَذَا كَثِيرَةٌ , إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا جَاءَ فِي بَنِي آدَمَ اسْتِعْمَالُ: مَا , مَكَانَ: مَنْ , مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد: ٣] , فِي مَعْنَى: وَوَالِدٍ وَمَنْ وَلَدَ , فَكَانَتْ: مَا , قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي بَنِي آدَمَ مَكَانَ: مَنْ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَقِلُّ اسْتِعْمَالُهُمْ إِيَّاهُ , وَلَمْ يَكُونُوا يَسْتَعْمِلُونَ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ: مَنْ , مَكَانَ: مَا , فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ , فَلَمَّا كَانَتْ: مَنْ , لِبَنِي آدَمَ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ , كَانَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] عَلَى بَنِي آدَمَ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ , وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَدْ قَالَ بِهِ بَعْدَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ , وَزُفَرُ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ , عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ , وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا