وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: " أَدْرَكْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَأَدْرَكْتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ، وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَعَدَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَاتَنِي مُعَاذٌ، فَأَخْبَرْتُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا إِلَّا قَالَ: اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمٌ قِسْطٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ، هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ " وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَفَاتَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عُمَيْرَةَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ. ⦗٣٩⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ مَا تَوَهَّمَ مَنْ حَكَيْنَا عَنْهُ مَا حَكَيْنَا مِنْ دَفْعِهِ لِقَاءَ أَبِي إِدْرِيسَ مُعَاذًا بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُوجِبُ مَا تَوَهَّمَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِخْبَارُ أَبِي إِدْرِيسَ بِلِقَائِهِ عُبَادَةَ وَوَعْيِهِ عَنْهُ، وَلِقَائِهِ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ وَوَعْيِهِ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفَاتَنِي مُعَاذٌ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَاتَنِي، أَيْ: فَاتَنِي أَنْ أَعِيَ كَمَا وَعَيْتُ عَنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا قَبْلَهُ، لَا أَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ ذَلِكَ بِهِ مَعَ عَدْلِهِ رَحِمَهُ اللهُ فِي نَفْسِهِ، وَمَعَ ضَبْطِهِ فِي رِوَايَتِهِ، وَمَعَ جَلَالَةِ مَنْ حَدَّثَ بِذَلِكِ عَنْهُ، وَهُمْ أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ، وَعَطَاءُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْخُرَاسَانِيُّ، وَيُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهَؤُلَاءِ جَمِيعًا أَئِمَّةٌ مَقْبُولَةٌ رِوَايَتُهُمْ غَيْرُ مَدْفُوعِينَ عَنِ الْعَدْلِ فِيهَا، وَالضَّبْطِ لَهَا، وَالثَّبْتِ فِيهَا، وَإِنَّهُ لَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْمِلَ رِوَايَةَ مَنْ هَذِهِ سَبِيلُهُ عَلَى مَا يَنْفِي عَنْهَا التَّضَادَّ، مَا وَجَدْنَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَتْنَ هَذَا الْحَدِيثِ، فَوَجَدْنَاهُ مِمَّا قَدْ جَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ، أَحَدُهُمَا: " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي " وَالْآخَرُ: " حَقَّتْ مَحَبَّتِي " فَأَمَّا " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي " فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْوُجُوبَ، وَهُنَاكَ وُجُوبٌ آخَرُ مِنَ الْمَحَبَّةِ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، وَفِي مَرْتَبَةٍ فَوْقَ مَرْتَبَتِهِ مِنَ الْمَحَبَّةِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: أَنَا أُحِبُّ فُلَانًا لِرَجُلٍ يَقْصِدُ بِذَلِكَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَا أُحِبُّ فُلَانًا لِرَجُلٍ غَيْرِهِ مَحَبَّةً فَوْقَ تِلْكَ الْمَحَبَّةِ، فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي " لِلَّذِينَ ذَكَرَهُمْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَحَبَّتُهُ تَجِبُ لِغَيْرِهِمْ وُجُوبًا فَوْقَ ذَلِكَ الْوُجُوبِ، وَفِي مَرْتَبَةٍ أَعْلَى مِنْ مَرْتَبَتِهِ وَأَمَّا " حَقَّتْ مَحَبَّتِي " فَعَلَى فَوْقِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْوُجُوبِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِأَبِي إِدْرِيسَ لِمَا حَدَّثَهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ ⦗٤٠⦘ جَبَلٍ بِمَا حَدَّثَهُ بِهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي "، بِقَوْلِهِ لَهُ: سَمِعْتُ مِنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، سَمِعْتُهُ يَأْثُرُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: " حَقَّتْ مَحَبَّتِي " فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِيَ حَدَّثَهُ عُبَادَةُ مِمَّا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ أَبُو إِدْرِيسَ عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَا الرَّجُلَ يَقُولُ: فُلَانٌ عَالِمٌ، فَيُوجِبُ لَهُ الْعِلْمَ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْعُلَمَاءِ مَنْ مَرْتَبَتُهُ فِيهِ فَوْقَ مَرْتَبَتِهِ فِيهِ، وَيَقُولُ: فُلَانٌ عَالِمٌ حَقًّا، فَيَرْفَعُهُ بِذَلِكَ إِلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الْعِلْمِ، فَمِثْلُ ذَلِكَ: " حَقَّتْ مَحَبَّتِي " عَلَى الرِّفْعَةِ لِمَنْ حَقَّتْ لَهُ إِلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ مَحَبَّتِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ رُوِّينَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ قَوْلِهِ لِأَهْلِ نَجْرَانَ لَمَّا سَأَلُوهُ أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُمْ رَجُلًا أَمِينًا، فَقَالَ: " لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا، حَقَّ أَمِينٍ، حَقَّ أَمِينٍ " فَبَعَثَ مَعَهُمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَكَانَ ذَلِكَ إِخْبَارًا مِنْهُ إِيَّاهُمْ أَنَّهُ قَدْ بَعَثَ مَعَهُمْ مَنْ هُوَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْأَمَانَةِ، ثُمَّ وَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ " وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ أَيْضًا بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute