كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَهُوَ زَعَمُوا الْحَنَفِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَبَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابٌ، فَقَالَتِ: " اجْلِسْ حَتَّى أَفْرُغَ، فَإِنِّي أُمَشِّطُ رَأْسِي "، فَكَانَتْ تَأْمُرُنِي بِحَوَائِجَ لَهَا أَشْتَرِيهَا لَهَا، فَجَلَسْتُ، فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، فَرَفَعَا الْحِجَابَ، فَدَخَلَا عَلَيْهَا، فَلَمَّا فَرَغَتْ، أَمَرَتْنِي بِحَاجَتِهَا، وَقَالَتْ: " أَطْعِمُونَا "، فَقُلْتُ: طَعَامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، الْآنَ يَأْتُونَا بِأَلْوَانٍ، فَأُتِينَا بِمَرَقَةٍ فِيهَا حُبُوبٌ بَارِدَةٌ، فَقُلْتُ: كُنْتُ أَرَى طَعَامَكُمُ الْأَلْوَانَ الْآنَ، فَقُلْتُ: طَعَامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ: مَا أَتَوْكَ مِنَ الْأُتْرُجِّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَتْ: " فَإِنَّ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بُعِثَ إِلَيْهِ بِأُتْرُجٍّ كَثِيرٍ، فَبَعَثَ إِلَى رِجَالٍ، فَأَتَوْهُ فَقَوَّمُوهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ صِبْيَانِهِ أَتَاهُ، فَأَخَذَ أُتْرُجَّةً، فَذَهَبَ لِيَنْزِعَهَا مِنْهُ فَبَكَى، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا فَأَبَى، فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ، وَتَرَكَهُ يَبْكِي حَتَّى قَوَّمَهَا، ثُمَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَقْوِيمُ عَلِيٍّ مَا أُهْدِيَ لَهُ مِمَّا ذُكِرَ فِيهِ، إِذْ كَانَ لَمْ يَرَهُ يَسَعُهُ الِاسْتِئْثَارُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أُهْدِيَ لَهُ لِوِلَايَتِهِ مَا يَتَوَلَّاهُ، وَلَأَنَّ الَّذِي أَهْدَى إِلَيْهِ ذَلِكَ عَظِيمٌ مِنْ عظمائهِ كَانَتْ ⦗١٢٦⦘ هَدِيَّتُهُ إِلَيْهِ لِمَا حَاوَلَ بِهَا مِنْ وُصُولِهِ بِهَا مِنْ قَلْبِهِ إِلَى إِقْرَارِهِ بِالْمَكَانِ الَّذِي هُوَ بِهِ مِمَّا عُدَّ بِهِ عَظِيمًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَى مِثْلِهِ مِمَّنْ هُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ كَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِيمَا أَهْدَاهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَبِلَهُ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ لِلدَّيْنِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَبِلَهُ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ رَدَّ الدَّيْنَ إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْهَدَايَا وَمِمَّا أَشْبَهَهَا إِذَا فُعِلَ ذَلِكَ يُرَادُ بِهِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ كَرَاهَةِ قَبُولِ الْهَدَايَا مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ تَرْكُ الْمُطَالَبَةِ مِنَ الْمُهْدَى إِلَيْهِ لِلْمَهْدِيِّ بِذَلِكَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ دَاخِلًا فِي أَبْوَابِ الرِّبَا الَّتِي يَقَعُ فِيهَا فَاعِلُو ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ يَعْلَمُونَ وَمِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى مَا قَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute