للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَا: " بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِمَّا تَأَوَّلُوا عَلَيْهِ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُنَّ الْمَسْبِيَّاتُ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ اللَّاتِي خَلَّفُوهُنَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ⦗١٨٣⦘ وَذَهَبَ مُخَالِفُوهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّهَا كُلُّ مَبِيعَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ، وَكَانَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا هُوَ الْأَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، لِمَا قَدْ رُوِّينَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي ذَلِكَ، وَالَّذِي قَدْ رُوِّينَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِقْرَارِهِ بَرِيرَةَ عَلَى نِكَاحِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ابْتِيَاعِ عَائِشَةَ إِيَّاهَا، وَتَخْيِيرِهِ إِيَّاهَا بَعْدَ عِتَاقِهَا لَهَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ ابْتِيَاعَهَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا مِنْ زَوْجِهَا لَهَا. فَقَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا "، وَتَرْوُونَ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخْيِيرَهُ بَرِيرَةَ بَعْدَ عَتَاقِهَا بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ فِرَاقِهَا إِيَّاهُ، وَهَذَا تَضَادٌّ شَدِيدٌ. فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَخْيِيرِهِ بَرِيرَةَ بَعْدَ عَتَاقِهَا بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ فِرَاقِهَا إِيَّاهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَدْ ذُكِرَ، وَسَنَأْتِي بِهِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّاتِ فِي بَرِيرَةَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَقَدْ كَانَ قَوْمٌ يَقُولُونَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ هُوَ طَلَاقُهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَخْيِيرِهِ بَرِيرَةَ بَعْدَ عَتَاقِهَا بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ فِرَاقِهِ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ بَرِيرَةَ إِنَّمَا ابْتَاعَتْهَا عَائِشَةُ وَهِيَ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ لَهَا الْفُرُوجُ، فَبَقِيَ تَزْوِيجُ بَرِيرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ، وَكَانَ ⦗١٨٤⦘ ابْتِيَاعُ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَحِلُّ لَهُمُ الْفُرُوجُ مِثْلَهَا يُوجِبُ حِلَّ الْفَرْجِ لَهُمْ، وَفِي حِلِّهَا لَهُمْ حِلُّ التَّزْوِيجَاتِ اللَّاتِي عَلَيْهَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، فَاعْتَبَرْنَا نَحْنُ بَعْدَ ذَلِكَ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْمَسْبِيَّاتِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ هُنَاكَ، فَوَجَدْنَاهُنَّ يَبِنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ بِوُقُوعِ الرِّقِّ عَلَيْهِنَّ بِالسِّبَاءِ، وَهُنَّ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَمْ يَحْلِلْنَ لِرِجَالٍ بِأَعْيَانِهِمْ لِمَا فِيهِنَّ مِنْ حُقُوقِ اللهِ الَّذِي جَعَلَهُ فِي أَخْمَاسِهِنَّ لِمَنْ جَعَلَهَا لَهُ وَلِشَرِكَةٍ بَيْنَ مَنْ سَبَاهُنَّ فِي بَقِيَّتِهِنَّ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، عَقَلْنَا أَنَّ الَّذِيَ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ الْمَسْبِيَّاتِ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ الْحَرْبِيِّينَ الَّذِينَ لَمْ يُسْبَوْا مَعَهُنَّ هُوَ وُقُوعُ الرِّقِّ عَلَيْهِنَّ لِأَجْلِ فُرُوجِهِنَّ لَمْ يَحِلَّ لَهُنَّ بِمِلْكِهِنَّ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَتْ بَرِيرَةُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَى زَوْجِهَا بِابْتِيَاعِ عَائِشَةَ إِيَّاهَا، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ مُخَالَفَتِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَعَلَى أَنَّ الْمُرَادَاتِ فِيهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ هُنَّ الْمَسْبِيَّاتُ دُونَ الْمَبِيعَاتِ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>