٤٣٨٦ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْطَاكِيُّ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْقَلَّاءِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهَا: " إِنْ قَرَبَكِ فَلَا خِيَارَ لَكِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ فِيمَا رُوِّينَاهُ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا عَنِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا ⦗٢٠٢⦘ مِنْ زَوْجِهَا قُرْبُهُ إِيَّاهَا، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ مِنْهُ إِلَيْهَا فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي أَعْلَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِيهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْخِيَارَ يَكُونُ لَهَا بَعْدَ قِيَامِهَا مِنْ مَجْلِسِهَا الَّذِي عَلِمَتْ فِيهِ بِوُجُوبِ الْخِيَارِ لَهَا حَتَّى يَكُونَ مِنْهَا مَا يَقْطَعُهَا عَنْ ذَلِكَ مِنْ تَخْلِيَةٍ مِنْهَا بَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَهَا أَنْ يَفْعَلَهُ بِهَا مِمَّا لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ بِهَا إِلَّا وَتَزْوِيجُهُ إِيَّاهَا قَائِمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ، لَا كَمَا يَقُولُهُ الْكُوفِيُّونَ فِيهِ مِنْ أَنَّ الْخِيَارَ إِنَّمَا يَجِبُ لَهَا فِي مَجْلِسِهَا الَّذِي تَعْلَمُ بِذَلِكَ فِيهِ مَا لَمْ تَقُمْ مِنْهُ، أَوْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ، أَوْ فِي كَلَامٍ آخَرَ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قُرْبِهِ لَهَا بِاخْتِيَارِهَا، كَانَ كَذَلِكَ تَمْكِينُهَا إِيَّاهُ مِنْ تَقْبِيلِهِ إِيَّاهَا وَمِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا إِلَّا وَالتَّزْوِيجُ الَّذِي بَيْنَهُمَا قَائِمٌ كَمَا هُوَ، وَذَلِكَ مِنْهَا كَهِيَ لَوْ قَالَتْ بِلِسَانِهَا: قَدِ اخْتَرْتُ زَوْجِي، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنَ كَانَ إِلَيْهِ إِيقَاعُ طَلَاقٍ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ زَوْجَتَيْهِ بِقَوْلِهِ لَهُمَا: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَنَّهُ يَقْطَعُهُ عَنْ ذَلِكَ قُرْبُهُ إِحْدَاهُمَا، وَأَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مُخْتَارًا لَهَا بِقُرْبِهِ إِيَّاهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ لِأَمَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا حُرَّةٌ، فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي إِيقَاعِ ذَلِكَ الْعَتَاقِ عَلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ، فَلَا يُوقِعُهُ حَتَّى يُجَامِعَ إِحْدَاهُمَا، وَهُوَ بِذَلِكَ الْجِمَاعِ مُخْتَارٌ لَهَا، كَقَوْلِهِ بِلِسَانِهِ: قَدِ اخْتَرْتُهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْأَمَةُ يَبْتَاعُهَا فَيُصِيبُ بِهَا عَيْبًا يُوجِبُ لَهُ بِهِ رَدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا إِيَّاهُ، فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُ إِلَيْهَا مَا لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا إِلَّا بِمِلْكِهِ لَهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَاطِعًا لَهُ عَنْ رَدِّهَا بِذَلِكَ الْعَيْبِ عَلَى بَائِعِهَا إِيَّاهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ كَقَوْلِهِ بِلِسَانِهِ: قَدْ رَضِيتُهَا بِعَيْبِهَا. ⦗٢٠٣⦘ وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا الْقَوْلَ أَيْضًا مَا قَدْ رُوِّينَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ فِيمَا كَانَ فِي بَرِيرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا لَمَّا خُيِّرَتْ كَانَ يَرَى زَوْجَهَا يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ هِيَ أَيْضًا تَتَصَرَّفُ فِي أَسْبَابِ نَفْسِهَا، وَلَا يَقْطَعُهَا ذَلِكَ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْخِيَارِ الَّذِي لَهَا فِي نَفْسِهَا لَوِ اسْتَعْمَلَتْهُ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا كَلَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا بَعْدَ أَنْ أَعْلَمَهَا وُجُوبَ الْخِيَارِ لَهَا فِي زَوْجِهَا: وَقَوْلُهُ: " زَوْجُكِ وَأَبُو وَلَدِكِ " فَقَالَتْ لَهُ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ مَا قَالَتْ، وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَلَمْ يَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ قَاطِعًا لَهَا مِنْ تَتَبُّعِ زَوْجِهَا إِيَّاهَا وَهِيَ فِي ذَلِكَ مُتَنَقِّلَةٌ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ مَعَ وُقُوفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا، وَإِمْضَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ خِيَارَهَا لِنَفْسِهَا، وَقَدْ جَاءَ عَنْ مَنْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَا يُؤَكِّدُ هَذَا الْمَعْنَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute