٤٤٥٩ - فَوَجَدْنَا الرَّبِيعَ الْمُرَادِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أُنَاسٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ، قَالُوا: أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْزُوَ حُنَيْنًا، فَقَالَ لِصَفْوَانَ: " مَا عِنْدَكَ سِلَاحٌ تُعِيرُنَا؟ " فَقَالَ: أَعَارِيَةٌ أَمْ غَصْبٌ؟ قَالَ: " بَلْ عَارِيَةٌ " فَأَعَارَهُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعِينَ دِرْعًا، فَأَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ مَكَّةَ وَسَادَاتِهِمْ، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُغْزِيَ مَكَّةَ، فَأَقِمْ " فَأَقَامَ، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ غَزَاتِهِمْ، أَمَرَ بِدُرُوعِ صَفْوَانَ أَنْ تُجْمَعَ، فَجُمِعَتْ، فَافْتَقَدُوا مِنْهَا دُرُوعًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَانَ: " إِنْ شِئْتَ غَرِمْنَاهَا لَكَ " فَقَالَ صَفْوَانُ: لَا، إِنَّ فِي قَلْبِي مِنَ الْإِيمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ " ⦗٢٩٦⦘ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِيَ أَخَذَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَخْذِهِ عَنْهُ مِنْ آلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ، فَخَالَفَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَادَ بِرِوَايَتِهِ إِيَّاهُ مُنْقَطِعًا غَيْرَ مَوْصُولِ الْإِسْنَادِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ وَلَا رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ إِيَّاهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ذِكْرُ ضَمَانٍ لِلْعَارِيَةِ، فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى اضْطِرَابِ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا الِاضْطِرَابِ الشَّدِيدِ، وَمَا كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلُهُ، لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِأَحَدٍ عَلَى مُخَالِفٍ لَهُ فِيهِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. وَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الْعَارِيَةَ لَوْ كَانَتْ مَضْمُونَةً: لَغَنِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذِكْرِ ضَمَانِهَا لِصَفْوَانَ، وَلَقَالَ لَهُ: وَهَلْ تَكُونُ الْعَارِيَةُ إِلَّا مَضْمُونَةً، فَفِي تَرْكِهِ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِحْدَاثَهُ لَهُ بِقَوْلِهِ: " إِنَّهَا مَضْمُونَةٌ "، ضَمَانًا أَوْجَبَهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ لَا نَفْسُ الْعَارِيَةِ، وَقَدْ كَانَ صَفْوَانُ يَوْمَئِذٍ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّ حُنَيْنًا إِنَّمَا غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ صَفْوَانُ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ عَهِدَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتِرَاطَاتٍ لِلْحَرْبِيِّينَ مَا لَا تُوجِبُهُ الشَّرِيعَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّ مَنَ جَاءَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَاغِبًا فِي دِينِهِ، تَارِكًا لِمَا عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ، رَدَّهُ إِلَيْهِ، وَأَنَّ مَنْ جَاءَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ لَمْ يَرُدُّوهُ ⦗٢٩٧⦘ إِلَيْهِ، وَأَنَّ مَنْ جَاءَهُ مِنْ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ دَاخِلًا فِي دِينِهِ رُدَّ إِلَيْهِ مَا كَانَ سَاقَ إِلَى زَوْجَتِهِ مِنَ الصَّدَاقِ لِلتَّزْوِيجِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَكَانَ صَفْوَانُ يُوقِفُهُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَرِطُهَا لِلْمُشْرِكِينَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَمْثَالُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُشْرِكِينَ وَيُلْزِمُ لَهُمُ الْمُسْلِمِينَ سَأَلَ مِثْلَ ذَلِكَ لِيُلْزَمَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا أَنَّ مِنْ شَرِيعَتِهِ وُجُوبَ الضَّمَانِ فِي الْعَارِيَةِ، وَهَذِهِ عِلَّةٌ صَحِيحَةٌ ذَكَرَهَا لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بِغَيْرِ ذِكْرٍ مِنْهُ مِنْ أَخْذِهَا مِنْهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ فِي لُغَتِهِ وَلُغَاتِهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَانُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ هُوَ الْإِيجَازُ لَا مَا سِوَاهُ، وَكَانَتِ الْعَارِيَةُ لَوْ كَانَتْ شَرِيعَتُهُ تُوجِبُ ضَمَانَهَا، لَغَنِيَ بِذِكْرِهَا عَنْ ذِكْرِ ضَمَانِهَا، وَلَكِنَّ الَّذِي كَانَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا سَأَلَهُ صَفْوَانُ إِيَّاهُ أَحْدَثُ حُكْمًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ، وَهُوَ وُجُوبُ ضَمَانِهَا بِالِاشْتِرَاطِ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ فِيهَا، وَمِمَّا قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَارِيَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute