للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٤٧١ - حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ الرَّقِّيُّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ عَلَى صَدَاقٍ أَوْ حِبَاءٍ أَوْ عِدَّةٍ قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَهَا، وَمَا كَانَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لِمَنْ أَعْصَمَهُ، وَأَحَقُّ مَا أَكْرَمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ وَأُخْتَهُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَهُ: " قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ " فَإِنَّ عِصْمَةَ النِّكَاحِ هَاهُنَا هِيَ الْعُقْدَةُ، وَمِنْهَا قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا ⦗٣٢٥⦘ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] ، أَيْ: لَا تَحْبِسُوهُنَّ زَوْجَاتٍ لَكُمْ، وَأَطْلِقُوهُنَّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا كَانَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ " فَمَعْنَاهُ: أَيْ مَا كَانَ بَعْدَ عُقْدَتِهِ، " فَهُوَ لِمَنْ أَعْصَمَهُ " أَيْ: لِمَنْ جُعِلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالَ: أَعْصَمْتُ فُلَانًا: إِذَا جَعَلْتُ لَهُ شَيْئًا يَعْتَصِمُ بِهِ، أَيْ: يَلْجَأُ إِلَيْهِ، وَيُغْنِي بِهِ عَنْ طَلَبِ مِثْلِهِ. ثُمَّ تَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ، فَكَانَ أَحْسَنَ مَا حَضَرْنَا فِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَخْطُوبَةَ إِلَى وَلِيِّهَا قَدْ يُحْبَى وَلِيُّهَا، أَوْ يُوعَدُ بِشَيْءٍ لِيَكُونَ عَوْنًا لِلْخَاطِبِ عَلَى مَا يُحَاوِلُهُ مِنَ التَّزْوِيجِ الَّذِي يَلْتَمِسُ، فَلَا يَطِيبُ لِوَلِيِّهَا مَا حُبِيَ وَلَا مَا وُعِدَ بِهِ فِي ذَلِكَ، إِذْ كَانَ إِنَّمَا قَصَدَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ التَّزْوِيجَ الْمُلْتَمَسَ مِنْهُ، فَكَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ الْمَرْأَةُ الْمَطْلُوبُ تَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي يُمْلَكُ بِتِلْكَ الْخِطْبَةِ هُوَ بُضْعُهَا لَا مَا سِوَاهُ، وَالْعِوَضُ مِنْ ذَلِكَ الْبُضْعِ، وَالْأَسْبَابُ الَّتِي يُلْتَمَسُ بِهَا الْوُصُولُ إِلَيْهِ فِي حُكْمِهِ بِمِلْكِهِ مَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْبُضْعَ وَهُوَ الْمَرْأَةُ دُونَ مَا سِوَاهَا، وَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَالَهُ لِابْنِ اللُّتْبِيَّةِ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْوَلَايَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَحَاسَبَهُ، فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْكِرًا ذَلِكَ عَلَيْهِ: " أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ هَلْ تَأْتِيهِ هَدِيَّتُهُ " فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمَ الْهَدِيَّةِ إِلَيْهِ لِوِلَايَتِهِ الَّتِي أُهْدِيَ ⦗٣٢٦⦘ إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِهَا إِلَى وِلَايَتِهِ الَّتِي يَتَوَلَّاهَا، فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رَدِّ الْحِبَاءِ وَالْعِدَّةِ إِلَى السَّبَبِ الَّذِي كَانَا مِنْ أَجْلِهِ وَهُوَ الْبُضْعُ الْمُلْتَمَسُ تَزْوِيجُهُ، فَجُعِلَا لِلْمَرْأَةِ وَلَمْ يُجْعَلَا لِلْمَخْطُوبِ إِلَيْهِ، إِذْ كَانَ الَّذِي يُلْتَمَسُ مِنْهُ لِغَيْرِهِ لَا لَهُ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لِمَنْ أَعْصَمَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ سَبَبٌ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ كَمَا قِيلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " وَأَحَقُّ مَا أَكْرَمَ عَلَيْهِ ابْنَتَهُ وَأُخْتَهُ " فَلَمَّا اسْتَحَقَّ الْإِكْرَامَ كَانَ مَا أُكْرِمَ بِهِ لِذَلِكَ طَيِّبًا لَهُ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلَ النِّكَاحِ سَبَبٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْإِكْرَامَ مِنَ الَّذِي حَبَاهُ وَوَعَدَهُ لَمْ يَطِبْ لَهُ مَا أُكْرِمَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَسَعْهُ احْتِبَاسُهُ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ مَنْ أُكْرِمَ بِهِ مِنْ أَجْلِهِ لِيُوصَلَ بِذَلِكَ إِلَى مَا يُلْتَمَسُ مِنْهُ، وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ ⦗٣٢٧⦘ التَّوْفِيقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>