٤٥٣٨ - حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبَانَ الْبَصْرِيُّ أَبُو شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْأُبُلِّيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا، فَلَاحَاهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ، فَأَخَذَهُ فَضَرَبَهُ فَشَجَّهُ أَبُو جَهْمٍ، فَأَتَوَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: الْقَوَدُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَكُمْ كَذَا وَكَذَا " فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالَ: " لَكُمْ كَذَا وَكَذَا " فَرَضُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي خَاطِبٌ الْعَشِيَّةَ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ " فَقَالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " إِنَّ هَؤُلَاءِ اللَّيْثِيِّينَ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ الْقَوَدَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا " قَالَ: " أَرَضِيتُمْ؟ " قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَمَّ بِهِمُ الْمُهَاجِرُونُ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ، ثُمَّ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَادَهُمْ، فَقَالَ: " أَرَضِيتُمْ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " فَإِنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ " قَالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ ⦗٤٣٣⦘ النَّاسَ، فَقَالَ: " أَرَضِيتُمْ؟ " قَالُوا: نَعَمْ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنًى لَطِيفٌ مِنَ الْفِقْهِ يَجِبُ أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ، وَيُوقَفَ بِهِ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ زِيَادَةٌ فِي بَيْعٍ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاقَضَهُ مُتَعَاقِدَاهُ، ثُمَّ يَتَعَاقَدَانِهِ مِنْ ذِي قَبْلِ، وَتَزْوِيجٌ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاقَضَاهُ، أَوْ يَتَعَاقَدَانِهِ مِنْ ذِي قَبْلٍ بِمَا يَتَعَاقَدَانِهِ، فَجَازَتْ فِي ذَلِكَ الزِّيَادَةُ، وَكَانَ الصُّلْحُ عَنْ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاقَضَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ صَالَحَهُمْ بِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ رَجُلًا لَوْ شَجَّ رَجُلًا شَجَّةً، أَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً، فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ أَوْ صُولِحَ عَنْهُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ أَرَادَ مُتَعَاقِدَا ذَلِكَ الصُّلْحِ أَنْ يَتَنَاقَضَاهُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا لَا يَقْدِرَانِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُمَا إِنْ نَقَضَاهُ، لَمْ يَنْتَقِضْ، وَمَا هَذِهِ ⦗٤٣٤⦘ سَبِيلُهُ، فَالزِّيَادَةُ فِيهِ غَيْرُ لَاحِقَةٍ بِأَصْلِهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَقُولُ: إِنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَإِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الَّذِي زَادَهَا، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: إِنَّهَا هِبَةٌ مِنَ الَّذِي زَادَهَا لِلَّذِي زَادَهَا إِيَّاهُ، فَإِنْ سَلَّمَهَا إِلَيْهِ جَازَتْ لَهُ، وَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنًى قَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَاسِمٍ مَا يَدُلُّ فِي جَوَابَاتِهِ اشْتِهَارُهُ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ فِيهِ، وَقَدْ مَالَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْفَعْ إِلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَخْذُهُ، وَأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إِلَى أَحَدٍ إِلَّا مَا يَكُونُ طَيِّبًا لَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرِيعَتِهِ فِي مِثْلِ هَذَا تَحْرِيمُ أَكْلِ الرِّبَا، وَتَحْرِيمُ إِطْعَامِهِ، وَفِي إِبَاحَتِهِ إِيَّاهُمْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى طِيبِهِ لَهُمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ قَدْ صَارَ إِلَيْهِمْ هِبَةً مِنْهُ لَهُمْ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ جَمِيعًا، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute