وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ، قَالَ: قُتِلَ قَتِيلٌ بَيْنَ وَادِعَةَ وَحَيٍّ آخَرَ، وَالْقَتِيلُ إِلَى وَادِعَةَ أَقْرَبُ، فَقَالَ عُمَرُ لِوَادِعَةَ: " يَحْلِفُ خَمْسُونَ ⦗٥١٤⦘ رَجُلًا مِنْكُمْ بِاللهِ مَا قَتَلْنَا، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ قَاتِلًا، ثُمَّ اغْرَمُوا " فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ: نَحْلِفُ وَتُغْرِمُنَا؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِالْقَسَامَةِ عَلَى الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ثُمَّ أَغْرَمَهُمُ الدِّيَةَ لِأَوْلِيَائِهِ، وَفِيمَا رَوَيْنَاهُ عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَضَاؤُهُ بِالدِّيَةِ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مَنْ لَا يُمْكِنُ مِنْهُمْ قَسَامَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْقَتِيلُ، إِنَّمَا هُمْ مِنْ مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ، فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، وَفِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا أَهْلَ لَهُ، وَلَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ بِالدِّيَةِ دُونَ الْقَسَامَةِ، وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ، وَيَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِيهِ. وَقَدْ شَدَّ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ فِي الْيَهُودِ: " إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ " قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي ذَلِكَ قَسَامَةٌ، وَلَا يَكُونُ إِيذَانُهُمْ بِحَرْبٍ إِلَّا فِي مَنْعِ وَاجِبٍ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ⦗٥١٥⦘ قَالَ لِلْأَنْصَارِ: " احْلِفُوا وَاسْتَحِقُّوا "، فَقَالُوا: أَنَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْتَحِقُّوا " قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ اسْتَحِقُّوا بِبَيِّنَةٍ تُقِيمُونَهَا عَلَى قَاتِلِ صَاحِبِكُمْ بِعَيْنِهِ، فَنَقْتُلُهُ لَكُمْ بِهِ. فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَنْصَارِ: " أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ؟ " فَفِي هَذَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مَا ادَّعَوْا إِلَّا بِالْحَلِفِ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ. فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ إِنَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ لَهُمْ عَلَى الْيَهُودِ بِوُجُودِهِمْ صَاحِبَهُمْ قَتِيلًا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَإِنْ قَالَ: فَمَا قَوْلُهُ: " أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ؟ " كَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ هَذَا مِمَّا قَدْ أُنْكِرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَخُولِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَادُّعِيَ عَلَيْهِ إِيهَامُهُ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute