٤٦١٨ - وَقَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيُّ , عَنْ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: " دَخَلْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَهِيَ فِي خِدْرِهَا، فَقَالَتْ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قُلْنَا: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَقَالَتْ: يَا عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ، أَنْتَ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: دَعُونَا مِنْ بَاطِلِكُمْ هَذَا، حَدِّثِينَا بِأَعْجَبَ مَا رَأَيْتِ مِنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلُّ أَمْرِهِ كَانَ عَجَبًا، أَتَانِي ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَقَدْ دَخَلْتُ فِرَاشِي، فَدَخَلَ مَعِي حَتَّى لَصَقَ جِلْدَهُ بِجِلْدِي، ثُمَّ قَالَ: " يَا عَائِشَةُ ائْذَنِي لِي أَتَعَبَّدْ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ " قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحِبُّ هَوَاكَ، ⦗٣٤⦘ قَالَتْ: فَقَامَ إِلَى قِرْبَةٍ فِي الْبَيْتِ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، ثُمَّ قَرَأَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ دُمُوعَهُ بَلَغَتْ حُبْوَتَهُ، ثُمَّ جَلَسَ، فَدَعَا وَبَكَىَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ دُمُوعَهُ بَلَغَتْ حُجْزَتَهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ، وَجَعَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ دُمُوعَهُ قَدْ بَلَغَتِ الْأَرْضَ، ثُمَّ جَاءَهُ بِلَالٌ بَعْدَمَا أَذِنَ، فَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ , تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ: وَمَا لِي لَا أَبْكِي، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} الْآيَةَ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا، ثُمَّ لَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا، وَيْحَكَ يَا بِلَالُ أَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " ⦗٣٥⦘ وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنْزَالُ اللهِ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا عِنْدَ عَائِشَةَ، وَكَانَ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا كَانَ، وَإِخْبَارُهُ عَائِشَةَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ فِي لَيْلَتِهِ تِلْكَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِعْلَامُهُ إِيَّاهَا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا فَوَيْلٌ لَهُ , فَقَالَ قَائِلٌ: فَهَذَا بِخِلَافِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَيْتَهُ فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إِنْزَالَ اللهِ تَعَالَى كَانَ لِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى رَسُولِهِ لِلسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِهِ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا هَذَا إِنْزَالُهُ إِيَّاهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الَّذِي كَانَ مِنْهُ مِنْ صَلَاتِهِ وَرِقَّةِ قَلْبِهِ عِنْدَهَا فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَلَا تَضَادَّ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ ذِكْرُ سُؤَالِ قُرَيْشٍ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا ذُكِرَ مِنْ سُؤَالِهَا إِيَّاهُ فِيهِ وَتَخْيِيرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَاخْتِيَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَائِلِيهِ مَا هُوَ فِي الْعَاقِبَةِ أَحْمَدُ، وَمَآلُهُمْ فِيهِ السَّبَبُ الَّذِي يَكُونُ إِيصَالًا لَهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، ⦗٣٦⦘ وَفَوْزًا لَهُمْ مِنْ عَذَابِهِ، وَكَانَ إِنْزَالُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الْآيَةَ الَّتِي أَقَامَ بِهَا الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا فِيهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ تَقَدَّمَ عِلْمُهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ مِنْ أَجْلِهِ نُزُولُهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَقَدَّمَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَعَادَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ جَمِيعُ الْآثَارِ الَّتِي رُوِّينَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ إِلَى انْتِفَاءِ التَّضَادِّ لَهَا، وَالِاخْتِلَافِ عَنْهَا، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute