٤٩٠ - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ مُزَيْنَةَ أَنَّهُ أَتَى أُمَّهُ فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ لَوْ ذَهَبْتَ إلَى رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَأَلْتَهُ قَالَ فَجِئْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ , وَهُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ , وَهُوَ يَقُولُ: " مَنَ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللهُ، وَمَنَ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللهُ، وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ عِدْلُ خَمْسِ أَوَاقٍ سَأَلَ إلْحَافًا " فَتَأَمَّلْنَا هَذِهِ الْمَقَادِيرَ الَّتِي رُوِيَتْ عَنِ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ بِوُجُودِهَا هَلْ يَتَهَيَّأُ لَنَا تَصْحِيحُهَا حَتَّى لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهَا ضِدًّا لِمَا سِوَاهُ مِنْهَا فَوَجَدْنَاهُ مُحْتَمَلًا أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ الَّتِي حَرُمَتْ بِهَا الْمَسْأَلَةُ هُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ , ثُمَّ تَلَاهُ تَحْرِيمُهَا بِوُجُودِ مَا فِي حَدِيثِ الْأَسَدِيِّ , ثُمَّ تَلَاهُ تَحْرِيمُهَا بِوُجُودِ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ , ثُمَّ تَلَاهُ تَحْرِيمُهَا بِوُجُودِ مَا فِي حَدِيثِ الْمُزَنِيِّ فَكَانَ الْمِقْدَارُ الَّذِي فِي حَدِيثِ الْمُزَنِيِّ هُوَ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَتَنَاهَى تَحْرِيمُ ⦗٤٣٠⦘ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ وُجُودِهِ، فَصَارَ أَوْلَى هَذِهِ الْمَقَادِيرِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا بِالِاسْتِعْمَالِ فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ اسْتَعْمَلْتَ فِي هَذَا أَغْلَظَ الْمَقَادِيرِ بَدْءًا ثُمَّ اسْتَعْمَلْتَ بَعْدَهُ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ حِينَ اسْتَعْمَلْتَهَا كُلَّهَا كَذَلِكَ وَلَمْ تَسْتَعْمِلِ الْأَخَفَّ مِنْهَا أَوَّلًا ثُمَّ بَعْدَهُ مَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَيْهَا كُلَّهَا؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ أَنَّ نَسْخَ الْأَشْيَاءِ تَكُونُ بِمَعْنًى مِنْ مَعْنَيَيْنِ فَمَعْنًى مِنْهَا لِلْعُقُوبَةِ وَهُوَ نَسْخُ التَّخْفِيفِ بِالتَّغْلِيظِ , وَهُوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} [النساء: ١٦٠] الْآيَةَ وَمَعْنًى مِنْهَا بِخِلَافِ الْعُقُوبَةِ , وَهُوَ نَسْخُ التَّغْلِيظِ بِالتَّخْفِيفِ , وَذَلِكَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ وَتَخْفِيفٌ عَنْ عِبَادِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: ٦٥] إلَى قَوْلِهِ: {مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: ٦٥] فَكَانَ فَرْضُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ لَا يَفِرُّوا مِنْ عَشَرَةِ أَمْثَالِهِمْ وَكَانَ مَعْقُولًا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا ثُمَّ نَسَخَ اللهُ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْهُ لَهُمْ وَتَخْفِيفًا لِضَعْفِهِمْ فَقَالَ {الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: ٦٦] الْآيَةَ. فَرَدَّ اللهُ فَرْضَهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرُّوا مِنْ مِثْلَيْهِمْ وَكَانَ مَعْقُولًا فِي ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِنْ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْهِمْ مِنَ الْعَدَدِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا} [المزمل: ٢] إلَى قَوْلِهِ: {تَرْتِيلًا} [الفرقان: ٣٢] فَكَانَ ذَلِكَ مَفْرُوضًا عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ , ثُمَّ نَسَخَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْهُ لَهُ وَلَهُمْ بِقَوْلِهِ: {إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل: ٢٠] إلَى قَوْلِهِ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} ⦗٤٣١⦘ فَكَانَ النَّسْخُ فِيمَا ذَكَرْنَا وَفِي أَمْثَالِهِ فِيمَا لَا سَخَطَ فِيهِ وَلَا غَضَبَ مِنْهُ مِنَ التَّغْلِيظِ إلَى التَّخْفِيفِ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ كَانَتِ الْمَقَادِيرُ الَّتِي ذَكَرْنَا يُوجِبُ كُلُّ مِقْدَارٍ مِنْهَا تَحْرِيمَ الْمَسْأَلَةِ عَلَيْهِمْ كَانَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فَيُرَدُّونَ مِنَ التَّخْفِيفِ إلَى التَّغْلِيظِ فَوَجَبَ بِذَلِكَ فِي النَّسْخِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنْ يَكُونَ مَا رَدُّوا مِنْ بَعْضِهِ إلَى مَا سِوَاهُ مِنْهُ هُوَ رَدٌّ لَهُمْ مِنْ غَلِيظَةٍ إلَى خَفِيفَةٍ , فَوَجَبَ بِذَلِكَ اسْتِعْمَالُ مَا ذَكَرْنَا فِيهِ فِي هَذَا الْبَابِ فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي تَحْرُمُ بِهِ الْمَسْأَلَةُ , هُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي فِي حَدِيثِ الْمُزَنِيِّ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْمَقَادِيرِ الْمَذْكُورَةِ فِي غَيْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ , وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute