وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ " ⦗٢٤٦⦘ وَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ عُثْمَانَ مِمَّا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْعَتَهَ قَدْ يَكُونُ مِنَ الْجُنُونِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ السُّكْرِ كَمَا يَكُونُ مِنَ الْجُنُونِ، فَعَادَ مَعْنَى قَوْلِهِمَا فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ عُثْمَانَ فِيهِ , فَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ السَّكْرَانِ وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بِسُكْرِهِ فَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ بِفِعْلِهِ، فَلَمْ يَكُنْ إِذْ كَانَ كَذَلِكَ كَالْمَجْنُونِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّا رَأَيْنَا الْمَجْنُونَ لَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِ جُنُونِهِ فِي أَنْ يَكُونَ بِأَفْعَالِهِ، وَفِي أَخْذِهِ أَشْيَاءَ كَانَتْ أَسْبَابًا لِذَهَابِ عَقْلِهِ، وَفِي حُدُوثِ الْجُنُونِ بِهِ مِمَّا لَا سَبَبَ لَهُ فِيهِ فِي لُزُومِ أَحْكَامِ الْمَجَانِينَ إِيَّاهُ فِي سُقُوطِ الْفُرُوضِ عَنْهُمْ، وَفِي ارْتِفَاعِ الْعَمْدِ عَنْهُمْ فِي جِنَايَاتِهِمْ فِي الْقَتْلِ حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَيْهِمْ فِيهِ قَوَدٌ، وَحَتَّى يَكُونَ دِيَاتُ مَنْ قَتَلُوا عَلَى عَوَاقِلِهِمْ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْمُرَاعَى فِي ذَهَابِ عُقُولِ الْأَصِحَّاءِ ذَهَابَ عُقُولِهِمْ لَا الْأَسْبَابَ الَّتِي كَانَتِ أَسْبَابًا لِذَهَابِ عُقُولِهِمْ كَانَ كَذَلِكَ السَّكْرَانُ: يَكُونُ عَلَيْهِ ذَهَابُ عَقْلِهِ لَا السَّبَبُ الَّذِي كَانَ بِهِ ذَهَبَ عَقْلُهُ، فَيَكُونُ بِذَهَابِ عَقْلِهِ لَهُ حُكْمُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ، وَلَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُ أَسْبَابِ ذَهَابِ عَقْلِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا قَدْ أُجْمِعَ ⦗٢٤٧⦘ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ الْمُطِيقِ لِلصَّلَاةِ قَائِمًا الَّذِي فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا كَذَلِكَ لَوْ كُسِرَ رِجْلُهُ حَتَّى عَادَ عَاجِزًا عَنِ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ وَأَنْ يُصَلِّيَهَا كَذَلِكَ أَنَّ فَرْضَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَاعِدًا عَلَى مَا يُطِيقُ صَلَاتَهَا عَلَيْهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ حُكْمُهُ فِيهِ فِي الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ وَصَلَاتِهِ، كَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِمَا يَحِلُّ بِهِ مِمَّا يُعِيدُهُ إِلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ أَفْعَالِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ بِهِ , ثُمَّ مِنْ أَفْعَالِ عِبَادِهِ مِثْلَهُ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ قَائِمًا، وَإِنْ عَادَ إِلَى الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ وَسَائِرَ أَقْوَالِهِ وَسَائِرَ أَفْعَالِهِ يَعُودُ إِلَى أَحْكَامِ أَقْوَالِ ذَاهِبِي الْعُقُولِ سِوَاهُ، وَإِلَى أَحْكَامِ أَفْعَالِ ذَاهِبي الْعُقُولِ سِوَاهُ، وَهَذَا خِلَافُ مَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُونَهُ فِيهِ، وَخِلَافُ مَا كَانَ مَالِكٌ يَقُولُهُ فِيهِ مِنْ إِجَازَتِهِمْ طَلَاقَهُ، غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: " لَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْقِلُ مَا أَجَزْتُ طَلَاقَهُ "، فَكَأَنَّهُ أَعْذَرُ مِنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، لَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُطَلِّقَ بِالشَّكِّ حَتَّى يَعْلَمَ بِالْيَقِينِ وُجُوبَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مَا عُلِمَ يَقِينًا لَمْ يَرْتَفِعْ إِلَّا بِمَا يُزِيلُهُ يَقِينًا، كَذَلِكَ فَرَائِضُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ فِي صَلَوَاتِهِمْ، وَفِيمَا سِوَاهَا مِنْ عِبَادَاتِهِمْ، وَمَا رَأَيْنَا فَقِيهًا مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ النَّظَرُ مِنْ أَهْلِ الْفِرَقِ إِلَّا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، وَلَا يَسَعُ ذَا فَهْمٍ أَنْ يَتَقَلَّدَ غَيْرَهُ وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute