كَمَا أَجَازَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الشَّيْزَرِيُّ , عَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ , عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: " لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَحْدُودٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا مَعْلُومٍ مِنْهُ شَهَادَةُ زُورٍ، وَلَا ظَنِينٍ فِي وَلَاءٍ، وَلَا قَرَابَةٍ، وَلَا خَائِنٍ، وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا خَصْمٍ، وَلَا مُرِيبٍ " وَكَانَتْ أَلْفَاظُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ هِيَ أَلْفَاظُ هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ مَا فِي آخِرِهِ مِنْ ذِكْرِ الْخَصْمِ وَالْمُرِيبِ، فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ قَوْلَهُ هَذَا مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، إِمَّا عَنْ يَزِيدَ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ مَرْوَانُ، أَوْ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ مِمَّنْ فَوْقَ يَزِيدَ، وَهُوَ الزُّهْرِيُّ، وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَجْلُودٍ حَدًّا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُوَافِقًا غَيْرَ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، فَإِنَّا وَجَدْنَا عَنْهُ مِمَّا ذَكَرَهُ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا ضَرَبَ الْقَاضِي رَجُلًا فِي حَدٍّ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِمَّا يُخَالِفُهُمَا فِيهِ ⦗٣٥٨⦘ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ سِوَاهُمَا ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَا اخْتَلَفَا وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِيهِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، فَوَجَدْنَا أَشْيَاءَ مِمَّا قَدْ حَرَّمَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهَا، وَغَلَّظَ الْعُقُوبَاتِ فِيهَا مِنَ الزِّنَى وَمِنَ السَّرِقَةِ، وَكَانَتِ الْعُقُوبَاتُ فِيهَا كَفَّارَاتٌ لِمُصِيبِهَا، مِنْهَا قَطْعُ أَيْدِي السُّرَّاقِ، وَمِنْهَا: إِقَامَةُ حَدِّ الزِّنَى عَلَى الْأَبْكَارِ مِنَ الزُّنَاةِ، وَهِيَ الْجَلْدُ، وَعَلَى الثَّيِّبِ مِنْهُمْ، وَهِيَ الرَّجْمُ وَوَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْمَقْطُوعِينَ فِي السَّرِقَاتِ إِذَا تَابُوا، وَلَا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الزُّنَاةِ الْأَبْكَارِ الْمَحْدُودِينَ إِذَا تَابُوا، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ سَائِرَ الْمَحْدُودِينَ فِيمَا سِوَى الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ كَذَلِكَ أَيْضًا، غَيْرَ مَا قَدْ أَخْرَجَهُ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] فَأَبَانَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّنْ سِوَاهُمْ، وَأَلْزَمَهُمُ الْفِسْقَ الَّذِي جَعَلَهُ وَصْفًا لَهُمْ، وَأَعْقَبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: ٨٩] وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ مِمَّا قَدْ كَانَ هَذَا حُكْمَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَزُولُ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِالتَّوْبَةِ، وَيَرْجِعُونَ إِلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَزُولُ الْفِسْقُ عَنْهُمُ الَّذِي عَلَيْهِ الْوَعِيدُ، وَلَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةٌ أَبَدًا، وَكَانَ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَكَثِيرٌ مِمَّنْ سِوَاهُمْ ⦗٣٥٩⦘ فَأَمَّا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ الَّذِينَ دَارَتْ عَلَيْهِمُ الْفُتْيَا كَمَالِكٍ، وَمَنْ سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَيَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَكَذَلِكَ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ فِي هَذَا وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا، فَكَانُوا لَا يَقْبَلُونَهَا أَبَدًا، وَيَجْعَلُونَ حُكْمَهُمْ فِي رَدِّهَا مِنْهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ كَحُكْمِهِمْ فِي رَدِّهَا مِنْهُمْ قَبْلَ التَّوْبَةِ , وَقَدْ تَعَلَّقَ الْحِجَازِيُّونَ وَالَّذِينَ قَبِلُوا شَهَادَتَهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ بِمَا قَدْ رَوَوْهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِمَّا كَانَ قَالَهُ لِأَبِي بَكْرَةَ بَعْدَ حَدِّهِ إِيَّاهُ فِيمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute