٥٠١٩ - وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: " شَهِدْتُ الدَّارَ، وَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: " ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمْ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ " قَالَ: فَجِيءَ بِهِمَا، كَأَنَّهُمَا جَمَلَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِمَارَانِ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ وَالْإِسْلَامَ، هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ⦗١٥⦘ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُسْتَعْذَبُ غَيْرُ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ، وَيَكُونُ دَلْوُهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ "، فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي؟، وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا، حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ، قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ قَالَ: " أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ وَالْإِسْلَامِ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟ "، فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ مَالِي، أَوْ قَالَ: مِنْ صُلْبِ مَالِي، فَزِدْتُهَا فِي الْمَسْجِدِ؟، وَأَنْتُمْ تَمْنَعُونِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ، قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: " أَنْشُدُكُمُ اللهَ وَالْإِسْلَامَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ مِنْ مَالِي؟ " قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: " أَنْشُدُكُمُ اللهَ وَالْإِسْلَامَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَنَا، فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ، حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِالْحَضِيضِ، فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: " اسْكُنْ ثَبِيرُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيُّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ؟ "، قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، شَهِدُوا لِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَنِّي شَهِيدٌ، اللهُ أَكْبَرُ، شَهِدُوا لِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَنِّي شَهِيدٌ، قَالَهَا ثَلَاثًا " ⦗١٦⦘ فَقَالَ قَائِلٌ: فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ كَانَ فِي أَيَّامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَمْرِهِ جَعَلَ رُومَةَ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ رِشَاءَهُ فِيهَا كَرِشَاءِ أَحَدِهِمْ، وَزَادَ فِي الْمَسْجِدِ، مَا زَادَ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ كَأَحَدِهِمْ، فَكَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا، وَقَدْ رُوِّيتُمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي الصَّدَقَةِ الَّتِي كَانَ تَصَدَّقَ بِهَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ فِيهِ: " لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ؟ " وَرُوِّيتُمْ فِي ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي دَابَّةٍ كَانَ تَصَدَّقَ بِهَا، فَوَلَدَتْ فَلُوًّا، أَنَّهُ مُنِعَ مِنْ شِرَائِهِ؟ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ آثَارًا، سَنَذْكُرُهَا فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِي مَوْضِعٍ، هُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْ شَاءَ اللهُ قَالَ: فَكَيْفَ تَقْبَلُونَ مَا رُوِّيتُمُوهُ مِنْ حَدِيثَيْ عُثْمَانَ اللَّذَيْنِ رُوِّيتُمُوهُمَا، وَفِيهِمَا شُرْبُهُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ، وَصَلَاتُهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي زَادَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، وَذَلِكَ انْتِفَاعٌ مِنْهُ بِمَا قَدْ كَانَ تَصَدَّقَ بِهِ مِمَّا يَمْنَعُ مِمَّا فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمَا فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ اللَّذَيْنِ رُوِّيتُمُوهُمَا، يَعْنِي اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا ⦗١٧⦘ الْبَابِ، وَفِي ذَلِكَ تَضَادٌ شَدِيدٌ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّهُ لَا تَضَادَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَوَهَّمَ، لِأَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ عُمَرَ، مِمَّا أَرَادَ ابْتِيَاعَهُ هُوَ الْفَرَسُ الَّذِي كَانَ تَصَدَّقَ بِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ طَلَبًا مِنْهُ فِي عَوْدِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ إِلَى مِلْكِهِ، فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ، فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ ابْتِيَاعِ شَيْءٍ مِنْ نِتَاجِ مَا قَدْ تَصَدَّقَ بِهِ، وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا سَنَجِيءُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَكَانَ النَّهْيُ عَنْ مَا قَدْ نُهِيَ عَنْهُ عُمَرُ، وَالزُّبَيْرُ هُوَ الْعَوْدُ فِي نَفْسِ الصَّدَقَةِ، حَتَّى تَعُودَ مَمْلُوكَةً إِلَى الْمُتَصَدِّقِ بِهَا بَعْدَمَا قَدْ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ لَهُ، وَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ مَا فِي حَدِيثَيْ عُثْمَانَ لَيْسَ فِيهِ رُجُوعُ شَيْءٍ مِمَّا كَانَ تَصَدَّقَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَرَجَعَ إِلَى مِلْكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، إِنَّمَا فِيهِ انْتِفَاعُهُ بِذَلِكَ، وَمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَدَقَتُهُ، فَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، غَيْرُ رَاجِعٍ إِلَى مِلْكِهِ وَكَانَ تَصْحِيحُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى أَنَّ مَا يَرْجِعُ بِهِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ، إِلَى مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ، بِمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، حَتَّى يَعُودَ مِلْكًا لَهُ، مَكْرُوهٌ لَهُ، مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَأَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَنَافِعِ ذَلِكَ، كَشُرْبِ مَائِهٍ، وَالْمُرُورِ فِيهِ، وَالصَّلَاةِ فِيهِ، غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مِلْكًا لِلْمُتَصَدِّقِ بِمَا تَصَدَّقَ بِهِ مِمَّا ذَلِكَ الْجِنْسُ مِنْ مَنَافِعِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي تَحْرِيمِهِ لَهَا شَرْبُ مَاءِ الصَّدَقَةِ وَأُبِيحَ ذَلِكَ لِلْأَغْنِيَاءِ مِمَّنْ تَصَدَّقَ بِهِ، وَمِمَّنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَعُدْ إِلَى ⦗١٨⦘ مِلْكِهِ، إِنَّمَا عَادَ إِلَى الْمَنْفَعَةِ بِهِ، وَهُوَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِينَئِذٍ، لَا لِمَنُ سِوَاهُ مِنْ خَلْقِهِ مِمَّنْ يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَمَنْ سِوَاهُ، فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مُبَاحًا لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ صَدَقَتَيْهِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا، فَقَدْ بَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ أَنْ لَا تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ، وَلَا اخْتِلَافَ، وَأَنَّ كُلَّ وَجْهٍ مِنْهَا يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ سِوَاهُ مِنْهَا، وَأَنَّ الْمُمَيِّزِينَ بَيْنَ ذَلِكَ، هُمُ الَّذِينَ اخْتَصَّهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِلْمِ ذَلِكَ، لَا مَنْ سِوَاهُمْ، مِمَّنْ مَنَعَهُ ذَلِكَ، وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute