٥٠٣٨ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، يَعْنِي ابْنَ سِيَاهٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: " أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، يَعْنِي الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا " ⦗٤٠⦘ فَكَانَ مَا فِي حَدِيثَيْ عُمَرَ، وَسَهْلٍ هَذَيْنِ، عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ قَدْ يُصَابُ بِهِ حَقِيقَةُ الصَّوَابِ، وَقَدْ يَقْصُرُ فِيهِ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُ الرَّأْيِ فِي الْحَوَادِثِ الَّتِي لَا تُوجَدُ الْأَحْكَامُ فِيهَا فِي الْكِتَابِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ، وَلَا فِي إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَنْصُوصًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُبِيحَ اجْتِهَادُ الرَّأْيِ فِي ذَلِكَ، وَأُطْلِقَ لَنَا الْحَكَمُ بِهِ، قَدْ يَكُونُ فِيهِ إِصَابَةُ الصَّوَابِ فِي تِلْكَ الْحَوَادِثِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّقْصِيرُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كُنَّا مَحْمُودِينَ فِي اجْتِهَادِنَا فِي ذَلِكَ، إِذْ لَا نَسْتَطِيعُ غَيْرَ مَا قَدْ فَعَلْنَاهُ فِيهِ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِّينَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي الْحُكَّامِ ذَوِي الْخِلَافِ، إِذَا حَكَمُوا فَأَصَابُوا فَإِنَّ لَهُمْ أَجْرَيْنِ، وَإِذَا حَكَمُوا، فَأَخْطَئُوا، فَإِنَّ لَهُمْ أَجْرًا وَاحِدًا، إِذْ كَانُوا قَدِ اجْتَهَدُوا بِالْآلَاتِ الَّتِي يُجْتَهَدُ بِمِثْلِهَا، فَأَصَابُوا حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ فِيمَا اجْتَهَدُوا فِيهِ، أَوْ قَصَّرُوا عَنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ السَّلَامَةِ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْفِقْهَ، فَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ قَدْ دَخَلَ فِي الْغُلُوِّ فِي ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ: إِنَّهُ إِذَا حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ، وَمَعَهُ الْآلَةُ الَّتِي لِأَهْلِهَا اجْتِهَادٌ، أَنَّهُ قَدْ حُكْمَ بِالْحَقِّ الَّذِي لَوْ نَزَلَ الْقُرْآنُ، مَا نَزَلَ إِلَّا بِهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَمِنْ أَهْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَمْدِ اللهِ قَوْلًا مُنْكَسِرًا، وَأَهْلُهُ مَحْجُوجُونَ، بِمَا لَا يَسْتَطِيعُونَ دَفَعَهُ، وَلَا الْخُرُوجَ مِنْهُ فَمِمَّنْ كَانَ غَلَا فِي ذَلِكَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ فَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: لَمَّا بَلَغَنِي هَذَا الْقَوْلُ ⦗٤١⦘ عَنْهُ أَعْظَمْتُهُ، فَأَتَيْتُهُ فِي يَوْمِي الَّذِي بَلَغَنِي ذَلِكَ الْقَوْلُ عَنْهُ فِيهِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، لِأُحَقِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ قَالَهُ، فَقَالَ لِي: قَدْ قُلْتُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: هَلِ اسْتَعْمَلْتَ فِي مَسْأَلَةٍ مِنَ الْفِقْهِ رَأْيَكَ، وَاجْتَهَدْتَ فِيهَا، حَتَّى بَلَغَتْ عِنْدَ نَفْسِكَ غَايَةَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي عَلَيْكَ فِيهَا ثُّمَ تَبَيَّنَ لَكَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الصَّوَابَ فِي غَيْرِ الَّذِي كَانَ أَدَّاكَ إِلَيْهِ اجْتِهَادُكَ فِيهَا؟، فَقَالَ لِي: نَعَمْ، نَحْنُ فِي هَذَا أَكْثَرُ نَهَارِنَا قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ الَّذِي لَوْ نَزَلَ الْقُرْآنُ نَزَلَ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ، هَلْ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي قُلْتَهُ فِيهَا، أَوْ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي قُلْتَهُ فِيهَا، وَقَدْ بَلَغَتْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ الَّذِي عَلَيْكَ أَنْ تَبْلُغَهُ فِيهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ؟ قَالَ: فَانْقَطَعَ وَاللهِ فِي يَدِي أَقْبَحَ انْقِطَاعٍ، وَمَا رَدَّ عَلَيَّ حَرْفًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ أَجَادَ أَبُو جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَأَقَامَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي حُجَّةِ مِنْ حُجَجِهِ عَلَى مَنْ خَرَجَ عَنْهَا، وَغَلَا الْغُلُوَّ الَّذِي كَانَ فِيهِ مَذْمُومًا، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute