جَعَلَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُطَلِّقِ لِلْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ بِسَبَبِ وَلَدِهَا، لِيَكُونَ ذَلِكَ عَدًّا لَهُ، وَلَكِنَّهَا نَفَقَةٌ لِلْمُطَلَّقَةِ نَفْسِهَا، لِأَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْ مُطَلِّقِهَا، لَا لِأَنَّهَا حَامِلٌ مِنْهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: أَنْ رَأَيْنَا الْمَحْمُولَ بِهِ، لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْ وَرِثَهُ عَنْ أَخٍ لَهُ لِأُمِّهِ تُوُفِّيَ، وَأُمُّهُ حَامِلٌ بِهِ، أَنَّ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ النَّفَقَةَ عَنْ أَبِيهِ عَلَى أُمِّهِ، وَأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى أَبِيهِ كَمَا كَانَتْ لَوْ كَانَ لَا مَالَ لَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ النَّفَقَةَ الْمَحْكُومَ بِهَا عَلَى أَبِيهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هِيَ لِأُمِّهِ، لَا لَهُ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا عَلَى أَبِيهِ، إِلَّا بِفَقْرِهِ إِلَى ذَلِكَ، وَحَاجَتِهِ إِلَيْهِ مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَوْضُوعًا قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ إِلَّا بِذَلِكَ وَفِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى أَبِيهِ فِي حَالِ يَسَارِهِ، وَفِي حَالِ إِعْسَارِهِ عَلَى أُمِّهِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ تِلْكَ النَّفَقَةَ لِغَيْرِهِ لَا لَهُ، وَحُجَّةٌ أُخْرَى: أَنَّ النَّفَقَةَ لَوْ كَانَ يُرَادُ بِهَا اتِّصَالُ الْغِذَاءِ إِلَيْهِ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا مَرْفُوعًا عَنْ أَبِيهِ، لِأَنَّهَا تَكُونُ غِذَاءً لِأُمِّهِ، فِيمَا يَكُونُ بِهِ حَيَاتُهَا، وَيَقُومُ بِهِ بَدَنُهَا، وَيُوصَلُ بِهِ الْغِذَاءُ إِلَيْهِ، فَكَانَ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ غِذَاءً لِلْمُطَلَّقَةِ مَرْفُوعًا عَنْهُ، وَمَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ يُوصَلُ الْغِذَاءُ إِلَى ابْنِهِ ثَابِتًا عَلَيْهِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] ، إِنَّمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ نَهَايَةَ الْإِنْفَاقِ، لَا مَا سِوَى ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: ٦] ، وَلَمْ يَقُلْ: عَلَى مَنْ هُنَّ حَوَامِلُ بِهِ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ: أَنَّ الْإِنْفَاقَ مِنَ الْمُطَلِّقِ فِي حَالِ حَمْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute