٥١٩٠ - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: " إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا هَذَا: فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ " ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ، فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: " لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا " ⦗١٨٥⦘ فَقَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قَصَدَ فِي هَذَا إِلَى الْبَوْلِ، دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّ الْبَوْلَ لَا يَظْهَرُ عَلَى الْأَبْدَانِ، وَلَا عَلَى الثِّيَابِ مِنْهُ، مَا يَظْهَرُ مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ سِوَاهُ مِنَ الْغَائِطِ، وَالدَّمِ، وَالْقَيْحِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَتَحَامَاهَا النَّاسُ لِتَقَذُّرِهِمْ إِيَّاهَا، وَالْبَوْلُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا لَوْنَ لَهُ يُتَحَامَى مِنْ أَجْلِهِ، فَيُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إِلَيْهِ لِاسْتِخْفَافِ النَّاسِ بِهِ، وَتَهَاوُنِهِمْ بِالتَّنْظِيفِ مِنْهُ، مَا لَا يَتَهَاوَنُونَ بِهِ مِنَ التَّنْظِيفِ مِمَّا سِوَاهُ، مِمَّا يَتَرَيَّبُونَ بِهِ النَّاسَ، حَتَّى لَا يَتَحَامَوْا مَجَالِسَهُمْ، وَلَا قُرْبَهُمْ، فَقَصَدَ إِلَى الْبَوْلِ بِذَلِكَ دُونَ مَا سِوَاهُ ⦗١٨٦⦘ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَأَمَّا أَحَدُهُمَا، فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ "، فَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، أَنَّ الِاسْتِتَارَ هُوَ التَّوَقِّي، وَمِنْهُ دُعَاءُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: سَتَرَكَ اللهُ مِنَ النَّارِ أَيْ: وَقَاكَ اللهُ مِنَ النَّارِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اتَّقُوا النَّارَ، وَلَوْ بِشِقِّ التَّمْرَةِ "، أَيِ: اسْتَتَرُوا مِنَ النَّارِ، وَلَوْ بِشِقِّ التَّمْرَةِ فَمِثْلُ ذَلِكَ: " كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ "، أَيْ: لَا يَتَوَقَّى مِنْ بَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute