كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: " مَا أَدْرَكَتِ الصَّفْقَةُ حَيًّا، فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ " وَكَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ دَلَّنَا أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ كَانَ فِيمَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَيًّا، أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ مَالِ مُبْتَاعِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ، ⦗٢٥٧⦘ إِلَّا وَقَدْ وَقَعَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بِالصَّفْقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْ بَائِعَهُ بِبَدَنِهِ وَكَانَ حَدِيثُ هُشَيْمٍ عَنْ يَحْيَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُتَبَايِعَانِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ " غَيْرَ مُخَالِفٍ عِنْدَنَا لِحَدِيثِهِ الْآخَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَيَكُونُ مَعْنَى: " لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْتَرِقَا "؛ أَيْ: لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، لَا خِيَارَ فِيهِ، حَتَّى يَفْتَرِقَا، فَإِذَا تَفَرَّقَا قَطَعَ ذَلِكَ التَّفَرُّقُ خَيَارَهُمَا فِيهِ، إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ، بِمَعْنَى: فَإِنَّ الْخِيَارَ يَبْقَى لِصَاحِبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ فِيهَا وَكَانَ ذَلِكَ التَّفَرُّقُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، مِمَّا قَدْ تَنَازَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِهِ مَا هُوَ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: هُوَ بَيْنَ قَوْلِ الْبَائِعِ لِلْمُبْتَاعِ: قَدْ بِعْتُكَ، وَقَوْلِ الْمُبْتَاعِ: قَدْ قَبِلْتُ ذَلِكَ مِنْكَ، يَكُونُ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ عَنْ مَا قَالَ قَبْلَ قَوْلِ الْمُبْتَاعِ لَهُ، قَدْ قَبِلْتُ ذَلِكَ مِنْكَ، وَيَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ قَبُولُ ذَلِكَ الْقَوْلِ، مَا لَمْ يُفَارِقِ الْبَائِعَ بِبَدَنِهِ، فَإِنْ فَارَقَهُ بِبَدَنِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ لَهُ وَقَالَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْلِ: وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَكَانَ لَهُ قَبُولُ ذَلِكَ الْقَوْلِ بَعْدَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ، وَبَعْدَ مُفَارَقَتِهِ قَائِلَهُ بِهِ بِبَدَنِهِ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، وَيَذْهَبُ بِمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ أَبُو يُوسُفَ كَمَا حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَذَكَرْنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَحْمَدَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، فَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ إِيَّاهُ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَوَافَقَ أَبَا يُوسُفَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَيْضًا عِيسَى بْنُ أَبَانَ ⦗٢٥٨⦘ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُبْتَاعِ: قَدْ بِعْتُكَ، وَقَوْلَ الْمُبْتَاعِ لَهُ: قَدْ قَبِلْتُ مِنْكَ، يَكُونَانِ بِهِ مُفْتَرِقَيْنِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ كَمَعْنَى قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الطَّلَاقِ: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠] ، فَكَأَنَّ الزَّوْجَ إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ طَلَّقْتُكِ عَلَى كَذَا، فَقَالَتْ هِيَ لَهُ: قَدْ قَبِلْتُ ذَلِكَ مِنْكَ، صَارَا مُفْتَرِقَيْنِ الْفُرْقَةَ الَّتِي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا فَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ صَاحِبِ السِّلْعَةِ لِصَاحِبِهِ الَّذِي سَاوَمَهُ بِهَا: قَدْ بِعْتُكَ سِلْعَتِي بِكَذَا، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: قَدْ قَبِلْتُ ذَلِكَ مِنْكَ، يَكُونَانِ بِهِ مُفْتَرِقَيْنِ الْفُرْقَةَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، وَفَسَّرَهُ هَذَا التَّفْسِيرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ آخَرُونَ: الْفُرْقَةُ الَّتِي عَنَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، هِيَ الْفُرْقَةُ بِالْأَبْدَانِ بَعْدَ التَّبَايُعِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوِمَ وَالْمُسَاوَمَ قَبْلَ تَعَاقُدِهِمَا الْبَيْعَ مُتَسَاوِمَانِ، وَلَيْسَا بِمُتَبَايِعَيْنِ، وَإِنَّمَا يَكُونَا مُتَبَايِعَيْنِ بَعْدَمَا يَتَعَاقَدَانِ الْبَيْعَ، وَهُنَاكَ يَجِبُ لَهُمَا الْخِيَارُ، لَا قَبْلَهُ وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَيَحْتَجُّ فِيهِ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَكَانَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ قَدْ وَجَدْنَا فِي اللُّغَةِ مَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، لَأَنَّا قَدْ وَجَدْنَا فِيهَا إِطْلَاقَ اسْمِ مَنْ قَرُبَ مِنْ شَيْءٍ بِمَعْنَى مَنْ قَدْ بَلَغَ ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١] ، لَيْسَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُنَّ إِذَا اسْتَوْفَيْنَ آجَالَهُنَّ أُمْسِكْنَ بِمَعْرُوفٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى قُرْبِهِنَّ بُلُوغَ آجَالِهِنَّ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ ⦗٢٥٩⦘ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ أَطْلَقَهُ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا فِي ابْنِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ، إِمَّا إِسْمَاعِيلُ، وَإِمَّا إِسْحَاقُ صَلَّى الله عَلَيْهِمَا، أَنْ سَمُّوهُ ذَبِيحًا لِقُرْبِهِ مِنَ الذَّبْحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذُبِحَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُطْلِقُونَهُ، مِمَّا قَدْ حَكَاهُ لَنَا الْمُزَنِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: قَدْ دَخَلَ فُلَانٌ مَدِينَةَ كَذَا، لِقُرْبِهِ مِنْهَا، وَبِقَصْدِهِ إِلَى دُخُولِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ دَخَلَهَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، كَانَ مُحْتَمَلًا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَا مِثْلَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِمَا أَرَادَهُ فِيهِ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ يَحْيَى، عَنْ نَافِعٍ، كَيْفَ هِيَ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute