للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٥٦ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو هُنَيْدَةَ الْبَرَاءُ بْنُ نَوْفَلٍ، عَنْ وَالِانَ الْعَدَوِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا مِنْ حَدِيثِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ , ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ شَفَاعَةَ الشُّهَدَاءِ قَالَ: " ثُمَّ يَقُولُ اللهُ: أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، انْظُرُوا فِي النَّارِ هَلْ فِيهَا مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ؟ فَيَجِدُونَ فِي النَّارِ رَجُلًا، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أَمَرْتُ وَلَدِي إذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي بِالنَّارِ ثُمَّ اطْحَنُونِي حَتَّى إذَا كُنْتُ مِثْلَ الْكُحْلِ فَاذْهَبُوا بِي إلَى الْبَحْرِ، فَاذْرُونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا فَيُعَاقِبَنِي إذْ عَاقَبْتُ نَفْسِي فِي الدُّنْيَا عَلَيْهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ مَخَافَتِكَ، فَيَقُولُ: انْظُرْ مُلْكًا بِأَعْظَمِ مُلْكٍ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ " ⦗٢٨⦘ فَتَأَمَّلْنَا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَصِيَّةِ هَذَا الْمُوصِي بَنِيهِ بِإِحْرَاقِهِمْ إيَّاهُ بِالنَّارِ، وَبِطَحْنِهِمْ إيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْكُحْلِ وَبِتَذْرِيهِمْ إيَّاهُ فِي الْبَحْرِ فِي الرِّيحِ، وَمِنْ قَوْلِهِ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ: " فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا " فَوَجَدْنَا ذَلِكَ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنْ شَرِيعَةِ ذَلِكَ الْقَرْنِ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ الْمُوصِي مِنْهُ الْقُرْبَةُ بِمِثْلِ هَذَا إلَى رَبِّهِمْ جَلَّ وَعَزَّ؛ خَوْفَ عَذَابِهِ إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ؛ وَرَجَاءَ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ فِيهَا بِتَعْجِيلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كَمَا يَفْعَلُ مِنْ أُمَّتِنَا مَنْ يُوصِي مِنْهُمْ بِوَضْعِ خَدِّهِ إلَى الْأَرْضِ فِي لَحْدِهِ رَجَاءَ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهُ بِذَلِكَ، ⦗٢٩⦘ فَقَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ جَازَ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ تَأْوِيلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا تَأَوَّلْتَهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؟ مِنْ وَصِيَّةِ ذَلِكَ الْمُوصِي مَا يَنْفِي عَنْهُ الْإِيمَانَ بِاللهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ " فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا " , وَمَنْ نَفَى عَنَ اللهِ تَعَالَى الْقُدْرَةَ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ كَانَ بِذَلِكَ كَافِرًا، وَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمُوصِي مِنْ قَوْلِهِ لِبَنِيهِ: " فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ " لَيْسَ عَلَى نَفْيِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكَانَ كَافِرًا وَلَمَا جَازَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُ، وَلَا أَنْ يُدْخِلَهُ جَنَّتَهُ ; لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ , وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: " فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا " هُوَ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ عَلَى التَّضْيِيقِ أَيْ لَا يُضَيِّقُ اللهُ عَلَيَّ أَبَدًا فَيُعَذِّبَنِي بِتَضْيِيقِهِ عَلَيَّ لِمَا قَدْ قَدَّمْتُ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَذَابِي نَفْسِي الَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ فِيهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ} [الفجر: ١٥] إلَى قَوْلِهِ: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: ١٦] أَيْ فَضَيَّقَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، وَقَوْلُهُ فِي نَبِيِّهِ ذِي النُّونِ وَهُوَ يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ} [الأنبياء: ٨٧] عَلَيْهِ فِي مَعْنَى أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} [العنكبوت: ٦٢] فَكَانَ الْبَسْطُ هُوَ التَّوْسِعَةَ , وَكَانَ قَوْلُهُ: {وَيَقْدِرُ} [العنكبوت: ٦٢] هُوَ التَّضْيِيقُ , فَكَانَ مِثْلَ ذَلِكَ قَوْلُ ذَلِكَ الْمُوصِي: " فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا " أَيْ: لَا يُضَيِّقُ عَلَيَّ أَبَدًا؛ لِمَا قَدْ فَعَلْتُهُ بِنَفْسِي رَجَاءَ رَحْمَتِهِ وَطَلَبَ غُفْرَانِهِ , ثِقَةً مِنْهُ بِهِ , وَمَعْرِفَةً مِنْهُ بِرَحْمَتِهِ وَعَفْوِهِ وَصَفْحِهِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ، ⦗٣٠⦘ وَهَذَا حَدِيثٌ , فَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ بِخِلَافِ هَذَا اللَّفْظِ , مِمَّا مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي رُوِيَ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>