٥٤٤٤ - وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ لَمْ يَجِدْ ⦗٥٢⦘ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا مِنْ عِنْدِ الْكَعْبَيْنِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ مِنَ الرِّجَالِ كَانَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّيْنِ بَعْدَ أَنْ يَقْطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ. فَقَالَ قَائِلٌ: هَذِهِ مَعَانٍ مُتَضَادَّةٌ، قَدْ رَوَيْتُمْ كُلَّ مَعْنًى مِنْهَا بِالْآثَارِ الَّتِي رَوَيْتُمُوهُ بِهَا، فَهَلْ تَجِدُونَ وَجْهًا تَحْمِلُونَهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَنْتَفِيَ عَنْهَا هَذَا التَّضَادُّ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي وَجَدْنَاهُ يَصِحُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَوْلَى الْوُجُوهِ بِهَا عِنْدَنَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ كَانَ حُكْمُ لِبَاسِ الْخِفَافِ فِي الْإِحْرَامِ لِلرِّجَالِ مُبَاحًا عِنْدَ وُجُودِ النِّعَالِ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا فِي الْإِحْرَامِ , كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الَّذِي بَدَأْنَا بِذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ , فَمُنِعُوا مِنْ لِبْسِهَا فِي حَالِ وُجُودِ النِّعَالِ , وَأُبِيحَ لَهُمْ لُبْسُهَا فِي حَالِ عَدَمِ النِّعَالِ عَلَى مَا فِي حَدِيثَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ اللَّذَيْنِ ثَنَّيْنَا بِذِكْرِهِمَا فِي هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، فَأُبِيحَ لُبْسُهُمَا فِي الْإِحْرَامِ فِي حَالِ عَدَمِ النِّعَالِ بَعْدَ أَنْ تُقْطَعَ أَسْفَلُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي ثَلَّثْنَا بِرِوَايَتِهِ فِي هَذَا الْبَابِ. ⦗٥٣⦘ وَهَذَا بَابٌ مِنَ الْفِقْهِ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُهُ فِيهِ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَسْخِ مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي بَدَأْنَا بِذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِمَا فِي حَدِيثَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ اللَّذَيْنِ ثَنَّيْنَا بِذِكْرِهِمَا. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمُ: الشَّافِعِيُّ. وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي ثَلَّثْنَا بِذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَكَانَ وَجْهَ ذَلِكَ فِي النَّظَرِ: أَنَّهُمْ لَمَّا وَجَدُوا لِبَاسَ الْخِفَافِ لِوَاجِدِي النِّعَالِ فِي الْإِحْرَامِ مَمْنُوعًا مِنْهُ، نُظِرَ كَيْفَ حُكْمُهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّعَالِ، فَوُجِدَتِ الْأَشْيَاءُ الْمَمْنُوعُ مِنْهَا فِي الْإِحْرَامِ فِي غَيْرِ أَحْوَالِ الضَّرُورَاتِ، مِنْهَا: لِبَاسُ الْقَمِيصِ، وَحَلْقُ الشَّعْرِ، وَكَانَ مَنِ اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ، فَحَلَقَ شَعْرَهُ مِنْ أَذًى، أَوْ لَبِسَ قَمِيصَهُ مِنْ أَذًى، لَمْ تُسْقِطِ الضَّرُورَةُ عَنْهُ الْكَفَّارَةَ الَّتِي كَانَتْ تَكُونُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ، فَعَقَلُوا بِذَلِكَ: أَنَّ الضَّرُورَاتِ الَّتِي تُوجِبُ الْإِبَاحَاتِ لِلْأَشْيَاءِ الْمَحْظُورَاتِ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَاتِ، إِنَّمَا تَرْفَعُ الْآثَامَ لَا مَا سِوَاهَا، فَكَانَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا الضَّرُورَةُ إِلَى لِبَاسِ الْخِفَافِ إِذَا عَدِمَتِ النِّعَالُ، وَأُبِيحَ بِذَلِكَ لُبْسُهَا فِي الْإِحْرَامِ أَنْ تَرْفَعَ الْآثَامَ، وَلَا تَرْفَعَ الْكَفَّارَاتِ الْوَاجِبَاتِ فِيهَا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَاتِ. فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَنَا، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَلَا الْخِفَافَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ، ⦗٥٤⦘ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ "، كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَحْرَمْنَا؟
٥٤٤٥ - كَذَلِكَ حَدَّثَنَاهُ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَحْرَمْنَا؟ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ ,
٥٤٤٦ - وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَيْضًا ,
٥٤٤٧ - وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ، ⦗٥٥⦘ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَيْضًا فَكَانَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا لَهُ مَا فِي حَدِيثِهِ هَذَا، وَكَانَ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، كَانَ مِنْهُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِهَا، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطْلَقًا بِلَا وَصْفٍ مِنْهُ لِلْخِفَافِ بِمَا وَصَفَهَا بِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْخِفَافَ؛ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْخِفَافَ الَّتِي أُطْلِقَ لُبْسُهَا فِي الْإِحْرَامِ، أَيُّ خِفَافٍ هِيَ؟ فَغَنِيَ بِذَلِكَ عَنْ وَصْفِهَا لَهُمْ فِي خُطْبَتِهِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ بِعَرَفَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ الدَّيْنِ، فِي وَصْفِ الشُّهُودِ بِالرِّضَا فِي الشَّهَادَةِ، بِقَوْلِهِ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] ، ثُمَّ ذَكَرَ الشُّهَدَاءَ فِي آيٍ سِوَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي كِتَابِهِ، مِنْهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} ، فَلَمْ يَصِفْهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِمِثْلِهِ فِي آيَةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَصَفَهُمْ بِهِ فِي آيَةِ الدَّيْنِ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ , وَيَعْقِلُونَ بِهِ أَنَّ الشُّهُودَ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُمُ الشُّهُودُ الْمَذْكُورُونَ فِي آيَةِ الدَّيْنِ , فَكَانَ مِثْلَ ذَلِكَ الْخِفَافُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُطْلَقَةِ بِلَا وَصْفٍ، هِيَ الْخِفَافُ الْمَوْصُوفَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِمَا وُصِفَ بِهِ فِيهِ، وَغَنِيَ بِذَلِكَ عَنْ وَصْفِهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ حَدِيثُ جَابِرٍ إِنْ كَانَ ⦗٥٦⦘ عَنْ خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ , لِيُوَافِقَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا يُخَالِفَهُ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute