وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى، حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ الصُّبْحِ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ شَرَاحِيلَ قَالَتْ: ⦗٩٣⦘ قَالَتْ لِي أُمُّ عَطِيَّةَ: " اذْهَبِي إِلَى فُلَانَةَ، فَأَقْرِئِيهَا السَّلَامَ، وَقُولِي: إِنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ تُوصِيكِ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا تَمْنَعِي الْمَاعُونَ , قَالَتْ: يَا سَيِّدَتِي: وَمَا الْمَاعُونُ؟ قَالَتْ: أَهُبِلْتِ هِيَ الْمَهْنَةُ يَتَعَاطَاهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَاتَّفَقَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ أُمِّ عَطِيَّةَ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي ⦗٩٤⦘ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ جَمِيعًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا هَذِهِ الْآيَةَ، فَوَجَدْنَا الْمَذْكُورِينَ فِيهَا قَدْ وُعِدُوا بِالْوَيْلِ، فَكَانُوا كَالْمُتَوَعَّدِينَ بِهِ فِي سُورَةِ الْجَاثِيَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهِ} [الجاثية: ٨] ، إِلَى قَوْلِهِ: {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الجاثية: ٨] ، وَكَالْمُتَوَعِّدِينَ بِهِ فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: ٦] ، وَكَالْمُتَوَعِّدِينَ بِهِ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [الزخرف: ٦٥] ، وَكَالْمُتَوَعَّدِينَ بِهِ فِي سُورَةِ الطُّورِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور: ١١] ، فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْمُتَوَعَّدِينَ بِالْوَيْلِ هُمْ أَهْلُ النَّارِ، فَقَوِيَ بِذَلِكَ فِي الْقُلُوبِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَعَّدُونَ بِهِ فِي سُورَةِ أَرَأَيْتَ هُمْ هُمْ أَيْضًا، وَكَانَ فِيمَا وَصَفَ اللهُ تَعَالَى إِيَّاهُمْ بِالسَّهْوِ عَنْ صَلَاتِهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نِفَاقِهِمْ، وَعَلَى تَرْكِهِمْ إِيَّاهَا إِذَا خَلَوْا كَالْمُتَسَاهِينَ عَنْهَا، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ، كَانَ مُنَافِقًا، وَكَانَ حَيْثُ ذَكَرَ اللهُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمُنَافِقُونَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: ١٤٥] ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ غَيْرَ مُلْتَمَسَةٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى إِنَّمَا جَعَلَهَا تَطْهِيرًا لِمَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} [التوبة: ١٠٣] ، وَالْمُنَافِقُونَ لَوْ أُخِذَتْ ⦗٩٥⦘ مِنْهُمْ لَمْ تُطَهِّرْهُمْ، وَلَمْ تُزَكِّهِمْ، ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لَهُمْ) ، فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ الْمُؤْمِنُونَ بِزَكَوَاتِهِمْ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: بَعَثَنِي أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: " اللهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ". وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا: أَنَّ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَالَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ مِنْ تَأْوِيلِهِمَا إِيَّاهَا عَلَيْهِ أَوْلَى مِمَّا تَأَوَّلَهَا عَلَيْهِ مَنْ سِوَاهُمَا مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. وَقَدْ كَانَ أَهْلُ اللُّغَةِ يَتَأَوَّلُونَهَا عَلَيْهِ، كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا وَلَّادٌ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا الْمَصَادِرِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧] ، فِي الْجَاهِلِيَّةِ: كُلُّ مَنْفَعَةٍ وَعَطِيَّةٍ، وَفِي الْإِسْلَامِ: الطَّاعَةُ وَالزَّكَاةُ. قَالَ هِمْيَانُ بْنُ قُحَافَةَ: لَا يَحْرِمُ الْمَاعُونَ مِنْهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَسَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ: لَوْ قَدْ نَزَلْنَا، لَقَدْ صَنَعْتُ ⦗٩٦⦘ بِنَاقَتِكَ صَنِيعًا تُعْطِيكَ الْمَاعُونَ، أَيْ: تَنْقَادُ لَكَ. وَكَمَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ فِي كِتَابِهِ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: الْمَاعُونُ: هُوَ الْمَاءُ، وَأَنْشَدَنِي فِيهِ:
[البحر الوافر]
يَمُجُّ صَبِيرُهُ الْمَاعُونَ صَبًّا
وَالَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْفِقْهِ وَالْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْلَى، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute