للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٥٤٥ - وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ⦗١٦١⦘ الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَفْضَلُ مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ " قَالَ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ضِدُّ مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا تَضَادَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ , وَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ النَّاسِ مَنْزِلًا: رَجُلٌ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَمُوتَ "، خَرَجَ مَخْرَجَ الْعُمُومِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، وَهُوَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَ غَيْرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ: " خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ "، وَقَالَ: " خِيَارُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ "، وَكَانَ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ اللُّغَةِ إِيَّاهُ، وَلِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ مِثْلَهُ، فَيَذْكُرُ بِالْعُمُومِ مَا يُرِيدُ بِهِ الْخُصُوصَ، حَتَّى جَاءَ بِذَلِكَ كِتَابُ اللهِ فِي قِصَّةِ صَاحِبَةِ سَبَأٍ: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: ٢٣] ، وَلَمْ تُؤْتَ مِنْ شَيْءٍ مِمَّا أُوتِيَهُ سُلَيْمَانُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي خَصَّهُ اللهُ بِهَا دُونَ النَّاسِ، فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا قَدْ جَاءَ بِالْعُمُومِ هُوَ عَلَى الْخُصُوصِ لِمَا قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَا، وَكَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ: " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي يَلِيهِ "، هُوَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ ذِكْرِهِ إِيَّاهُ أَنَّهُ: خَيْرُ أَهْلِ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا , يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ ⦗١٦٢⦘ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي التَّخْصِيصِ مِنْ أَهْلِ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا , جَازَ أَنْ تَكُونَ الْمَنْزِلَةُ الَّتِي هُوَ مِنْهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَنْزِلَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا مَنْزِلَةٌ أُخْرَى، إِذْ لَعَلَّهَا فَوْقَ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي هِيَ قَبْلَهَا أَيْضًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، فَيَكُونُ مَنْ يُخَالِطُ النَّاسَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَفْضَلَ مِمَّنْ لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ بِاعْتِزَالِهِ شُرُورَهُمْ، وَانْقِطَاعِهِ عَنْهُمْ فِيمَا ذُكِرَ انْقِطَاعُهُ عَنْهُمْ فِيهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِي الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ، فَذَكَرَ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ جَارٌ يُؤْذِيهِ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ، وَيَحْتَسِبُهُ حَتَّى يُفَرِّجَ اللهُ لَهُ مِنْهُ، إِمَّا بِمَوْتٍ، وَإِمَّا بِغَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ مَنْ هَذِهِ سَبِيلُهُ مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي صَبْرِهِ عَلَى إِيذَاءِ رَجُلٍ وَاحِدٍ كَانَ مَنْ بَذَلَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ، وَخَالَطَهُمْ، وَصَبَرَ عَلَى أَذَاهُمْ، وَاحْتَسَبَهُ بِذَلِكَ أَوْلَى، وَبِالزِّيَادَةِ مِنَ اللهِ تَعَالَى لَهُ فِيهِ أَحْرَى. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أُرِيدَ بِالتَّفْضِيلِ فِي تَرْكِ مُخَالَطَةِ النَّاسِ أُرِيدَ بِهِ وَقْتٌ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَلَمْ يُرَدْ بِهِ كُلُّ الْأَوْقَاتِ، وَيَكُونُ الْوَقْتُ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ هُوَ الْوَقْتَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ مِمَّا ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا لَهُ عِنْدَ سُؤَالِهِ إِيَّاهُ عَنِ الْمُرَادِ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمُ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: ١٠٥] ، فَقَالَ: " بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ⦗١٦٣⦘ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ، فَعَلَيْكَ أَمْرَ نَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ أَمْرَ الْعَوَامِّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، صَبْرٌ فِيهِنَّ عَلَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ يَوْمَئِذٍ مِنْكُمْ كَأَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ ". وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، فَيَكُونُ اعْتِزَالُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَفْضَلَ مِنْ مُخَالَطَتِهِمْ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَكُونُ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَزْمِنَةِ بِخِلَافِهِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِتَفْضِيلِ مُخَالَطَةِ النَّاسِ فِيهِ عَلَى تَرْكِ مُخَالَطَتِهِمْ هُوَ ذَلِكَ الزَّمَانَ؛ حَتَّى لَا يُضَادَّ شَيْءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا شَيْئًا مِنْهُمَا. وَمِمَّا قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثُهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>