للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَإِنَّ عَلَيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ حَرْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَذُكِرَ عِنْدَهُ الدَّجَّالُ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا قَالَ فِي آخِرِهِ: " ثُمَّ يَأْذَنُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الشَّفَاعَةِ، فَيَكُونُ أَوَّلَ شَافِعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللهِ، ثُمَّ مُوسَى، وَعِيسَى , لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ , ثُمَّ يَكُونُ نَبِيُّكُمْ رَابِعًا , لَا يُدْفَعُ فِيمَا يَشْفَعُ فِيهِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: ٧٩] ، فَلَيْسَتْ نَفْسٌ إِلَّا وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى بَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ، وَبَيْتٍ فِي النَّارِ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَسْرَةِ , قَالَ: فَيَنْظَرَ أَهْلُ النَّارِ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالَ: لَوْ ⦗١٨١⦘ عَلِمْتُمْ، وَيَنْظُرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي فِي النَّارِ، فَيُقَالَ: لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ , قَالَ: ثُمَّ تَشْفَعُ الْمَلَائِكَةُ، وَالنَّبِيُّونَ، وَالشُّهَدَاءُ، وَالصَّالِحُونَ، وَالْمُؤْمِنُونَ , فَيُشَفِّعُهُمْ قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا الرَّحْمَنُ، أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيُخْرِجُ مِنَ النَّارِ أَكْثَرَ مِمَّا أَخْرَجَ جَمِيعُ الْخَلْقِ بِرَحْمَتِهِ , قَالَ: حَتَّى مَا يَتْرُكَ أَحَدًا فِيهِ خَيْرٌ " , قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللهِ: " {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرٍ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: ٤٣] ، إِلَى قَوْلِهِ: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: ٤٥] "، ثُمَّ عَقَدَ بِيَدِهِ أَرْبَعًا، فَقَالَ: " هَلْ تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ خَيْرًا؟ أَلَا لَا يُتْرَكُ أَحَدٌ فِيهِ خَيْرٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُخْرِجَ مِنْهَا أَحَدًا غَيَّرَ وُجُوهَهُمْ وَأَلْوَانَهُمْ، فَيَجِيءُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: مَنْ عَرَفَ أَحَدًا فَلْيُخْرِجْهُ، فَيَجِيءُ الرَّجُلُ رَجُلًا يَعْرِفُهُ، فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ: أَنَا فُلَانٌ، أَنَا فُلَانٌ، فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: ١٠٧] فَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} قَالَ: فَتَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَحَدٌ وَإِنِّي سَمِعْتُ فَهْدَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُولُ: كَتَبَ إِلَيَّ الْفِرْيَابِيُّ: إِنَّكَ كُنْتَ اسْتَمْلَيْتَ لَنَا عَلَى سُفْيَانَ حَدِيثَ أَبِي ⦗١٨٢⦘ الزَّعْرَاءِ - يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ - قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَمَا أَعْرِفُهُ - يَعْنِي الْفِرْيَابِيَّ. فَفِي حَدِيثِ أَبِي الزَّعْرَاءِ هَذَا تَحْقِيقُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي الْمُرَادَيْنِ بِمَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي الزَّعْرَاءِ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِينَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي، فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: أَفَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ يَدْخُلُ؟ ‍ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ قَدْ مَضَى مِنَّا فِي هَذَا الْبَابِ وَصْفُنَا اللِّسَانَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَعَلَّمَ الْمُخَاطَبَ بِمَا يُرِيدُ، وَعَلِمَ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَقَدْ وَجَدْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: ٧٢] ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى مَنْ أَشْرَكَ بِهِ، فَبَقِيَ عَلَى شِرْكِهِ بِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ أَشْرَكَ بِهِ ثُمَّ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِهِ، لِمَا قَدْ بَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: ٦٨] فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْوَعِيدِ بِمَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى هُمُ الَّذِينَ لَا تَكُونُ ⦗١٨٣⦘ مِنْهُمُ التَّوْبَةُ، وَالنُّزُوعُ عَنِ الشِّرْكِ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنَّ مَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ، وَآمَنَ بِهِ، وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْوَعِيدِ الَّذِي فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا، كَانَ مِثْلَهُ مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ دُخُولٍ مَعَهُ التَّخْلِيدُ، وَإِثْبَاتُ التَّخْلِيدِ لِمَنْ سِوَاهُمْ، فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ أَنَّهُ لَا تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَوَهَّمَ هَذَا الْجَاهِلُ فِي آثَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ اللهُ تَعَالَى قَدْ تَوَلَّاهُ فِيهَا بِمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فِيهَا مَا تَوَهَّمَهُ هُوَ فِيهَا، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>