٥٨٠٥ - كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَهُوَ حَرَامٌ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا، فَأَتَاهُ خُوَيْلِدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ قَدِ انْقَضَى أَجَلُكَ فَاخْرُجْ عَنَّا، فَقَالَ: " وَمَاذَا عَلَيْكُمْ لَوْ تَرَكْتُمُونِي فَعَرَّسْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَصَنَعْنَا لَكُمْ طَعَامًا فَحَضَرْتُمُوهُ "، فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي طَعَامِكَ، فَاخْرُجْ عَنَّا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ بِمَيْمُونَةَ حَتَّى عَرَّسَ بِهَا بِسَرِفَ " ⦗٥١٧⦘ فَفِي هَذَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي خِلَافِ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ كَانَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ. فَإِنْ قَالَ: أَفَيَخْفَى عَنْ مَيْمُونَةَ وَهِيَ الْمُتَزَوِّجَةُ الْوَقْتُ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ؟ قُلْنَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خَطَبَهَا وَفَوَّضَ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ لَمَّا فَوَّضَ إِلَى الْعَبَّاسَ أَمْرَهَا مَا فَوَّضَتْهُ إِلَيْهِ، ذَهَبَ عَنْهَا الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ مِنَ الْعَبَّاسِ فِيهِ عَقْدُ التَّزْوِيجِ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ إِلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ بَنَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فِيهِ، وَعَلِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ أَبِيهِ فِي عَقْدِ التَّزْوِيجِ عَلَيْهَا مَا لِحُضُورِهِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلِغَيْبَتِهَا عَنْهُ. فَقَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ خَبَرَ عُثْمَانَ فِيهِ النَّهْيُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يُحَدِّثُ بِالنَّهْيِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدْ عَلِمَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ الْإِبَاحَةَ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ مِنْ أَمْرِ مَيْمُونَةَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذُكِرَ عَنْهُ فِيهِ مِمَّا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ سَمِعَهُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، مِمَّا أَرَادَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ أُمَّتِهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ بِخِلَافِهِمْ , لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْفُوظًا مَالِكًا لِإِرْبِهِ، وَلَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ مِنْ أُمَّتِهِ كَذَلِكَ، فَنَهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِمْ مَا يَخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ مِثْلِهِ، وَفَعَلَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَمَانِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَقْدَ التَّزْوِيجِ الْمَنْهِيَّ إِذَا وَقَعَ ⦗٥١٨⦘ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ. وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا يُقْصَدُ فِيهِ بِالْحُجَّةِ إِلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّا رَأَيْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ نَهَى فِي كِتَابِهِ عَنِ الْبَيْعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ النِّدَاءِ، بِقَوْلِهِ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] ، فَكَانَ مَنْ بَاعَ أَوِ ابْتَاعَ فِي تِلْكَ الْحَالِ عِنْدَكَ مَعَ نَهْيِ اللهِ عَنْهُ إِيَّاهُ لَا يَبْطُلُ بَيْعُهُ وَلَا ابْتِيَاعُهُ مَعَ نَهْيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ، فَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ تَزْوِيجُهُ الَّذِي قَدْ نَهَاهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ - إِذَا كَانَ مِنْهُ - لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا، وَلَا مُبْطِلًا لِتَزْوِيجِهِ؟ وَنَقُولُ لَهُ وَلِمَالِكٍ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ النَّهْيُ مُبْطِلًا بَيْعَهُ، فَمَا تُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ الَّذِي كَانَ فِي تَزْوِيجِهِ الْمُحْرِمَ مَعَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ تَفْرِيقِهِ فِي ذَلِكَ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ؟ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ عَقْدٍ قَدْ ثَبَتَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي تَزْوِيجٍ بَاطِلٍ طَلَاقٌ وَلَا فَسْخٌ، كَانَ كَذَلِكَ التَّزْوِيجُ كَلَا تَزْوِيجٍ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّا رَأَيْنَا أَشْيَاءَ تَمْنَعُ مِنَ الْجِمَاعِ , مِنْهَا: الْإِحْرَامُ، وَمِنْهَا: الصِّيَامُ، وَمِنْهَا: الِاعْتِكَافُ، وَكَانَ مَنْ تَزَوَّجَ فِي صِيَامِهِ أَوِ اعْتِكَافِهِ جَازَ تَزْوِيجُهُ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لَهُ ذِكْرُ الرَّفَثِ فِيمَا هُوَ فِيهِ، وَكَانَ مِثْلَ ذَلِكَ تَزْوِيجُهُ فِي ⦗٥١٩⦘ حَالِ إِحْرَامِهِ يَكُونُ كَذَلِكَ أَيْضًا. فَقَالَ قَائِلٌ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَهُ مِنَ التَّزْوِيجِ فِي حَالِ الصِّيَامِ، فَلَا حُجَّةَ لَكَ فِيهِ، لِأَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الصِّيَامَ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْقُبْلَةِ، فَكَانَ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ التَّزْوِيجِ. فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ مَا ذَكَرْتَ مِنْ حُكْمِ الصِّيَامِ لَوْ أَعْطَيْنَاهُ أَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ، لَكَانَ مَا يُعْطِيهِ فِي الِاعْتِكَافِ عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الْحُجَّةِ إِلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا، وَفِي وُجُوبِ ذَلِكَ مَا قَدْ قَامَتِ الْحُجَّةُ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى إِجَازَةِ تَزْوِيجِ الْمُحْرِمِ. فَقَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رُوِيَ فِي الْمَنْعِ مِنْ تَزْوِيجِ الْمُحْرِمِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ الْكَرَاهَةُ لِذَلِكَ فِيمَا قَدْ رَوَيْتَهُ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ: أَنَّهُمَا رَدَّا نِكَاحَ مُحْرِمَيْنِ، فَإِلَى قَوْلِ مَنْ خَالَفْتَ هَؤُلَاءِ؟ قِيلَ لَهُ: إِلَى قَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute