٦٠٠٠ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا " ⦗٢٦٤⦘ فَقَالَ قَائِلٌ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأَجْرِ عَلَى الْأَذَانِ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّا قَدُ رَأَيْنَا الْأَجْرَ يَكُونُ بِالْإِجَارَاتِ الْمَعْقُودَةِ قَبْلَ وُجُوبِهِ مِمَّا يَأْخُذُ الْمُسْتَأْجِرُونَ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا إِلَى الْمُسْتَأْجَرِينَ لَهُمْ عَلَيْهَا، وَقَدْ يَكُونُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِجَارَاتٍ مَعْقُودَاتٍ قَبْلَهَا، وَلَكِنْ بِالْمَثُوبَاتِ عَلَيْهَا، وَالتَّنْوِيلِ لِفَاعِلِيهَا، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَأَمَّا مَا جَاءَ بِالْأَجْرِ الْوَاجِبِ بِالْإِجَارَاتِ الْمَعْقُودَاتِ قَبْلَهُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى ⦗٢٦٥⦘: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] ، ثُمَّ قَالَ: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٦] . وَالِائْتِمَارُ فَلَا يَكُونُ إِلَّا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا تُعْقَدُ الْإِجَارَاتُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا جَاءَ بِالْأَجْرِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: ٨٦] ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: ٤٧] . فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَثُوبَاتِ لِلْأَفْعَالِ، لِأَنَّ عُقُودَ الْإِجَارَاتِ كَانَتْ قَبْلَهَا، وَكَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْأَجْرِ الَّذِي يُجْعَلُ ثَوَابًا وَتَنْوِيلًا، كَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ بِمَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الَّتِي يَحَمْدُونَهُ عَلَيْهَا مِنَ التَّأْذِينِ فِي مَسَاجِدِهِمْ، وَعِمَارَتِهَا، وَاللُّزُومِ لَهَا بِلَا اسْتِئْجَارٍ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَيُنَوِّلُونَهُمْ عَلَيْهِ مَا يَنُولُ أَمْثَالُهُمْ لِيُدَوِّمُوا عَلَى ذَلِكَ، وَيَكُونَ قُوَّةً لَهُمْ عَلَيْهِ بِلَا إِجَارَاتٍ مُتَقَدِّمَاتٍ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَحْمُودًا مِنْ فَاعِلِيهِ، وَيَكُونُ الْمَفْعُولُ ذَلِكَ بِهِمْ مِنْهُمْ مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْبَلُهُ لِعِلْمِهِ بِسَبَبِهِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قَصَدَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَيَكُونُ مَنْ يَأْبَى قَبُولَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَاضِلًا، وَمَنْ يَقْبَلُهُ مَفْضُولًا، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ أَنْ يَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا أَفْضَلَ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَعْلَاهُمْ رُتْبَةً عَلَى الثَّوَابِ عَلَى الْأَذَانِ، وَتَرَكَ التَّعَوُّضَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا. وَالْقِيَاسُ أَيْضًا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ بِالْإِجَارَاتِ عَلَى الْأَذَانِ، وَذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَا الْإِجَارَاتِ تَمْلِيكَ مَنَافِعِ الْمُسْتَأْجِرِينَ لِمَنِ اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَى مَا اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَيْهِ بِالْأَمْوَالِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ⦗٢٦٦⦘ عَلَى كُلِّ مُمَلَّكٍ شَيْئًا بِجُعْلٍ اجْتَعَلَهُ عَلَى ذَلِكَ تَسْلِيمُ مَا مَلَكَهُ إِلَى مَنْ مَلَّكَهُ إِيَّاهُ تَسْلِيمًا يَبِينُ مِنْهُ بِهِ، وَكَانَ الْأَذَانُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَى ذَلِكَ فِيهَا، فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُجَوِّزَ الْإِجَارَاتِ عَلَيْهَا، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute