للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّعَيْنِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ مُسْلِمٍ يَعْنِي الْمُلَائِيَّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ وَنَصَارَى الْعَرَبِ، وَإِنْ ذَكَرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا " فَكَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ حَرْفٌ يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَى مَعْنَاهُ قَوْلُهُ فِي نَهْيِهِ عَنْ ذَبَائِحِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْ دِينِهِمْ، إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ تَعَلَّقُوا بِشَرَائِعِ دِينِهِمْ، لَكَانُوا فِي ذَلِكَ بِخِلَافِهِمْ، لَكِنْ لَمَّا تَعَلَّقُوا بِبَعْضِهَا، وَتَرَكُوا بَعْضَهَا لَمْ يَتَعَلَّقُوا بشَيْءٍ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ، وَقَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: ٢٥٦] ، مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِيهِ مَعْنًى يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ رِجَالِهِمْ، كَانَ وَلَدُهُ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ، هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ جَمِيعًا، وَيَخْتَلِفُونَ فِي إِسْلَامِ الْأُمِّ دُونَ إِسْلَامِ الْأَبِ، فَيَجْعَلُهُ بَعْضُهُمْ كَإِسْلَامِ الْأَبِ فِي ذَلِكَ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَاهُمْ. وَيَأْبَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، وَلَا يَجْعَلَهُ كَإِسْلَامِ الْأَبِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، فَعَقِلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ أَبَاحَ لَهُمُ الْإِقَامَةَ ⦗٤٠٤⦘ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، وَإِخْوَانِهِمْ كَانُوا كُفَّارًا حِينَئِذٍ لَيْسُوا مِمَّنْ حُكْمُهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ، فَلِذَلِكَ خَلَّى بَيْنَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْنَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ. ثُمَّ وَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ تَهَوَّدَ مِنَ الْعَرَبِ فَيَقُولُونَ: هُوَ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ الدِّينِ فِي أَيِّ زَمَانٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فِيهِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ خُلِّيَ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ، مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمُ: الشَّافِعِيُّ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْشِفْ عَمَّنْ خَلَّى بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ وَإِخْوَانِهِمْ عَنْ دُخُولِهِمْ فِي الْيَهُودِيَّةِ مَتَى كَانَ؟ هَلْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ، أَوْ قَبْلَهُ، لِأَنَّ الْفُرْقَانَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيهِ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِمَكَّةَ، وَقَدْ أَقَامَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ قَدِمَهَا مُهَاجِرًا إِلَيْهَا قَبْلَ إِجْلَائِهِ بَنِي النَّضِيرَ سَبْعَ سِنِينَ، فَكَانَ فِي تَرْكِ السُّؤَالِ عَمَّنْ تَهَوَّدَ بِهَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ: هَلْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ، أَوْ قَبْلَ نُزُولِهِ. فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَا مُفْتَرِقَيْنِ لَكَشَفَ عَنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَعْلَمَ كَيْفَ كَانَ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ فِيهِ، فَيَرُدُّ كُلًّا إِلَى مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يُؤْخَذُ كَافِرٌ دَخَلَ فِي كُفْرٍ بِرُجُوعٍ إِلَى كُفْرٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ النَّاسُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْإِسْلَامِ، مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَهُ لَا بِرُجُوعٍ ⦗٤٠٥⦘ مِنْ مِلَّةِ الْكُفْرِ إِلَى مِلَّةٍ أُخْرَى مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنِّي لَا آخُذُهُ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ ذَكَرْتُ، لَكِنِّي أَقُولُ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ، أَوْ تُؤْذَنَ بِحَرْبٍ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ أَيْضًا، لِأَنِّي لَا أَرُدَّهُ إِلَى مَا دَعَاهُ اللهُ إِلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَدْعُهُ اللهُ إِلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُ، وَبَيْنَ مَا صَارَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَبِاللهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>