٩٨٠ - كَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ سَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَتَمَثَّلَتْ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:
مَنْ لَا يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا ... يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ مَرَّةً مُدَفَّقًا
هَكَذَا أَخْبَرَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ: مُدَفَّقًا، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يَقُولُونَ إِنَّهُ مُدَفَّعًا فَقَالَ: " لَا تَقُولِي هَذَا يَا بُنَيَّةُ وَلَكِنْ قُولِي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: ١٩] ثُمَّ قَالَ: " يَا بُنَيَّةُ فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ " قَالَتْ: فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَالَ: " كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَاشْتَرُوا إِلَيْهِمَا ثَوْبًا فَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ، إِنَّمَا هُمَا لِلْمُهْلَةِ " يَعْنِي الصَّدِيدَ ⦗٨⦘ هَكَذَا يَقُولُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: لِلْمِهْلَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ مُجَاهِدًا هَذَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَنَّ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ وَمُجَاهِدًا كَانَا يَقْسِمَانِ لِلنَّاسِ بِالْمَدِينَةِ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَلَمْ يُدْرَ مَنْ مُجَاهِدٌ الَّذِي أَرَادَهُ مَالِكٌ الَّذِي وَقَفْنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مُجَاهِدٌ، وَأَرَدْنَا بِمَا ذَكَرْنَا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ خِلَافُ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ إِذْ كَانَ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ إِنَّمَا كَانَ يَكُونُ مَرَّةً بِمَكَّةَ وَمَرَّةً بِالْكُوفَةِ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ.، ⦗٩⦘ فَقَالَ قَائِلٌ: مَا كَانَ مَعْنَى تَرْكِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَ هَذَا الْمُتَوَفَّى وَهُوَ مَوْلَاهُ الَّذِي مِنْ سَبَبِهِ وُجُوبُ مِيرَاثِ مَوْلَى النِّعْمَةِ وَدَفْعُهُ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ مِيرَاثِهِ فِي شَيْءٍ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى شَرَّفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعَ مَنْزِلَتَهُ، وَجَعَلَهُ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ أَخْلَاقِ مَنْ سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَيَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا وَيُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} فَوَصَفَهُمْ بِذَلِكَ بِأَخْلَاقٍ لَا يَحْمَدُهَا، وَجَعَلَهُمْ بِذَلِكَ فِي مَنْزِلَةٍ سُفْلَى، وَأَخْرَجَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَرْفَعِ الْمَنَازِلِ وَجَعَلَ حُكْمَهُ مِمَّا أَخْرَجَهُ إِلَيْهِ أَعْلَى الْأَحْكَامِ، فَلَمْ يَجْعَلْهُ مِمَّنْ يَرِثُ مَنْ سِوَاهُ مِنْ ذِي نَسَبٍ، وَلَا ذِي وَلَاءٍ، وَلَا مِنْ ذَوَاتِ تَزْوِيجٍ، وَخَالَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ زِيَادَةً فِي فَضْلِهِ، وَفِي تَشْرِيفِهِ إِيَّاهُ وَفِي رِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ فِيهِ فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي مِيرَاثِ مَوْلَاهُ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا حَمِيمٌ يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ أَنْ يُدْفَعَ مِيرَاثُهُ إِلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ كَمَا يَكُونُ لِلْأَئِمَّةِ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا أَنْ تُدْفَعَ إِلَى مَنْ يَرَوْنَ دَفْعَهَا إِلَيْهِ مِنَ النَّاسِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ كَانَ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ يَرِثُونَ وَيُورَثُونَ، مِنْ ذَلِكَ مَا حَكَى عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَرِيَّا مِنْ ⦗١٠⦘ سُؤَالِهِ إِيَّاهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ مِنْ لَدُنْهُ وَلِيًّا يَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَجْعَلَهُ نَبِيًّا وَمِنْ أَهْلِ إِجَابَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُ إِلَى ذَلِكَ وَهِبَتِهِ لَهُ يَحْيَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِصْلَاحِهِ لَهُ زَوْجَهُ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ زَكَرِيَّا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِمَّا سَأَلَهُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَهَبَ لَهُ مَنْ يَرِثُهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِمَالٍ يَرِثُهُ عَنْهُ وَأَيُّ مَالٍ كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كَانَ زَاهِدًا نَجَّارًا يَعْمَلُ بِيَدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute