للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد أورد على تعريف الخبر السابق خبره تعالى، فإنه لا يكون إلا صادقا. وأجيب بأنه يصح دخوله إذا نظرنا إليه من حيث اللغة بقطع النظر عن محتواه. أما من حيث معناه ونسبته إلى قائله فأخبار الله تعالى لصدورها عنه جل وعلا لا تحتمل إلا الصدق فقط سواء كانت إيجابا أو سلباً {.. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} النساء/١٢٢. فإذا قال الله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ. وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ. وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} الذاريات ٤٧- ٤٩ فهو إخبار عن أنه هو الخالق للأرض والسماء، وكل شيء، وهو إخبار صادق؛ لأنه من الله عز وجل. والقصد من هذا الخبر أن ينظر المخلوق في هذه الآيات ويتأمل صنعها ليؤمن بوجود صانعها.

ومن هذا القبيل قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} الأعراف/٥٤.

كما أخبر تعالى بأنه واحد لا شريك له. والدليل على ذلك يظهر فيما يراه الإنسان أمامه من صنع السماء والأرض، واختلاف الليل والنهار، وخلق البحار والماء، والرياح والسحاب، ولولا وجود هذه الأمور لتوقفت الحياة. وهذه الآيات توجد بنظام وأحكام، وكلّ منها دائب في عمله على أبدع ما يكون، وهو مسخر لإيجاد الحياة الطيبة للإنسان، وهو ما ينطق بوحدة الصنع الدالة على وحدة الصائغ جل وعلا {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} البقرة ١٦٣- ١٦٤.

وتأكيداً لتفرده سبحانه وتعالى بالخلق والصنع، وتقرير لوحدانيته، فلقد نفى إيجاد أي شيء في هذا العالم عن غيره، ونفى وجود إله أو آلهة أخرى، ونفى أن يكون له شريك، وأخبر أن المتخذين من دونه آلهة لا يستطيعون ضرا ولا نفعا، وأنهم سيكفرون بمن عبدوهم يوم القيامة. إنه تعالى الواحد الأحد المنفرد بالخلق، والمحيطة علمه بجميع مخلوقاته في حركاتهم وسكناتهم، وفي شتى أمورهم وأحوالهم، يعلم أعمارهم وبيده رقابهم.. وهو وحده القادر. ومن قدرته أنه خلق البحرين العذب والملح، لا يطغى أحدهما على الآخر، ومنها يأكل الإنسان لحوم الأسماك، ويستخرج اللؤلؤ وغيره مما يتحلى به الإنسان، وفيهما تسير الجواري المنشآت في البحر كالإعلام، وسائل نقل بحرية للإنسان وغيره.. وهو وحده الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>