للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القرآن الكريم من أساليب، بل هذه الأساليب. بمعانيها العميقة لا زالت ولن تزال تؤيد العلم في اتجاهاته السليمة، واكتشافاته لمظاهر الكون لمعرفة أسراره، وذلك بعكس الأديان الأخرى التي عاشت في صراع مرير مع العلم حتى الآن١.

وهذه الأساليب فضلا عن تأديتها مهام العبادات والتكاليف والأحكام الشرعية ... هي أساليب جمالية ونصوص أدبية امتاعية، تقوم اللسان، وتعلم البيان، وترقق المشاعر.. وكلما قرئت اطمأنت بها النفوس، واقشعرت منها الجلود خشية لله وخضوعا لعظمته: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد/٢٨) ، {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ... } (الزمر/٢٣) .

ومن مقومات هذه الأساليب أنها قامت على الحق: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ... } (السجدة/٢) . وعلى الصدق": {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} (النساء/١٢٢) .

وعلى الوضوح والإبانة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} (النساء/١٧٤) . وعلى اليسر: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (القمر/١٧) .

وعلى الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... } (النحل/١٢٥) .

وهي أساليب لا باطل فيها: { ... لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ... } (فصلت/٤٢) . ولا كذب: { ... مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى ... } (يوسف/١١١) .

ولا عسر ولا حرج: { ... وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج ... } (الحج/٧٨) .

ولا لغو ولا لهو.. {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ... } (الأنبياء/١٦-١٨) .. ولا خيال، وهو ما يقوم عليه شعر الشعراء، وفن الأدباء، وغيرهما


١ فالكنسية النصرانية تقول أن الله خلق العالم ابتداء من سنة ٤٠٠٤ ق. م، وظلت تقول بهذا القول حتى مطلع القرن الماضي. ولقد أعلن مجلس كنسي في بداية القرن العاشر الميلادي أنه القرن الأخير وأن العالم سينتهي بانتهائه لأن الله جعل المدة بين إنزال ابنه تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا ونهاية العالم بعد ألف سنة فقط –انظر قصة الحضارة ج ١٤ ولديورانت.
ولقد انتهى القرن العاشر الميلادي ولم ينتهي العالم كما قالت الكنيسة، ومر بعده تسعة قرون ولازال العالم باقيا. ونهايته عند خالقه وصانعه {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة ... } .

<<  <  ج: ص:  >  >>