للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك قوله: ((لأعطين [٢/ب] الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله)) هو من أصح الأحاديث وهو أصح حديث روي في فضائل علي - رضي الله عنه - أخرجاه في الصحيحين (٧٥) ، وقد زاد فيه بعض الكذابين: ((إن الراية أخذها أبو بكر وعمر فهربا)) (٧٦) .

وفي الصحيح أنه لما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لأعطين الراية رجلا)) قال عمر: ((ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ)) (٧٧) ، واستشرف لها عمر وغيره، ولو جاء منهزماً لما استشرف لها، فهذا الحديث رد على الناصبة الواقعين في علي - رضي الله عنه - تباً لهم؛ فإنه مؤمن تقي يحب الله ورسوله، [ويحبه الله ورسوله] (٧٨) ، ولكن ليس هذا من خصائصه، بل كل مؤمن كامل الإيمان يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وقد قال تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [المائدة ٥٤] وهؤلاء الذين قاتلوا أهل الردة وإمامهم أبو بكر - رضي الله عنه - وفي الصحيح أنه قال - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: ((والله إني لأحبكم)) (٧٩) .

وفي الصحيح أن عمرو بن العاص (٨٠) سأله: أي الناس أحبّ إليك؟ قال: ((عائشة)) قال: فمن الرجال؟ قال: ((أبوها)) . وهذا فيه أن أبا بكر أحبّ الرجال إليه، وهذا من خصائصه رضي الله عنه (٨١) .

وكان أسامة بن زيد (٨٢) يسمى الحبّ ابن الحبّ لحبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - له ولأبيه (٨٣) . وأمثال هذه النصوص التي تبين أنه ليس كل شخص عرف أنه يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يجب أن يكون أفضل الخلق؛ فإن هذا الوصف ثابت لخلائق [٣/أ] كثيرين، فليس هذا من خصائص الشخص المعين.

وأما قوله: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) (٨٤) فحديث صحيح، وهذا قاله في غزوة تبوك (٨٥) لما استخلفه على المدينة فطعن


(٧٥) البخاري: الصحيح، كتاب الجهاد ٣/١٠٨٦ رقم ٢٨١٢. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة ٤/١٨٧١ رقم ٢٤٠٧، وقد سبق تخريجه ص! خطأ الإشارة المرجعية غير معرفة..
(٧٦) قلت: وقد ذكر هذه الرواية الهيثمي في مجمع الزوائد ٩/١٢٤ من رواية ابن عباس عند الطبراني، وقال: ((وفيه حكيم بن جبير، وهو متروك ليس بشيء)) . ومن رواية ابن أبي ليلى عند البزار، ثم قال: ((وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو سيء الحفظ وبقية رجاله رجال الصحيح..)) بلفظ: ((إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا أبا بكر فعقد له لواء ثم بعثه فسار بالناس فانهزم حتى إذا بلغ ورجع فدعا عمر فعقد له لواء فسار ثم رجع منهزما بالناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله وبحبه الله ورسوله يفتح الله له ليس بفرار فأرسل..)) الحديث. مسند البزار ٢/١٣٥ رقم ٤٩٦.
قلت: قال الحافظ: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: صدوق سيء الحفظ جدا. فالحديث ضعيف كما ترى.
(٧٧) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي ٤/١٨٧١ رقم ٢٤٠٥
(٧٨) المثبت من الهامش بخط الناسخ.
(٧٩) البخاري: الصحيح، كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنتم أحب الناس إليّ ٣/١٣٧٩ رقم ٣٥٧٤، ٣٥٧٥. بلفظ: ((اللهم أنتم من أحبّ الناس إلي)) قالها ثلاث مرات، يعني الأنصار. وفي حديث آخر: ((والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إلي)) قالها مرتين أو ثلاث مخاطبا لامرأة من الأنصار. هذا وما وقفت على لفظ المصنف في الكتب الستة. والله أعلم.
(٨٠) السهمي، الصحابي المشهور، أسلم عام الحديبية، وولي إمرة مصر مرتين، وهو الذي فتحها، توفي بمصر سنة نيف وأربعين.
(التقريب ص٤٢٣) .
(٨١) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ٧/٢٢ رقم ٣٦٦٢.
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بكر الصديق ٤/١٨٥٦ رقم ٢٣٨٤.
(٨٢) ابن حارثة الكلبي، الأمير، صحابي مشهور، توفي سنة أربع وخمسين بالمدينة. (التقريب ص٩٨) .
(٨٣) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب زيد بن حارثة ٣/١٣٦٥ رقم ٣٥٢٤ و٣٥٢٦.
(٨٤) سبق تخريجه ص ١٢٤٦، حاشية ٤٠.
(٨٥) تبوك: موضع بين وادي القرى والشام، خرج إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنة تسع من الهجرة، وهي آخر غزواته، وتبوك الآن مدينة كبيرة وهي قاعدة شمال غرب المملكة، وتبعد عن المدينة حوالي سبع مائة كيل.
معجم البلدان ٢/١٤، شمال غرب المملكة ١/٣٤٩.

<<  <   >  >>