وقال محمود حسن ربيع في كتابه كشف الشبهات أيضا:"إن استعانتك بالأولياء الذين تعتقد أن لهم حياة وتصرفا بأقدار الله ليس شركاً، وأن الشرك لو اعتقدت فيهم ربوبيةً"(ص ٥٧) . وقال في (ص ٥٨) : "فمن اتخذ من الأنبياء والأولياء وسيلة إلى الله لجلب نفع أو دفع ضر من الله فهو سائل الله" ... "ومن قال: يا رسول الله أريد أن تردّ عليَّ عيني، أو ترفع عنا الجدب، أو يزول عنا المرض، وهو من المؤمنين كان ذلك دليلاً على أنه يطلب من الله".
فهذه التعريفات للعبادة والشرك أخذت من الواقع الذي عاش فيه هؤلاء وأحزابهم لا من الشرع الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فأراد هؤلاء أن يكون الواقع الذي هم عليه متفقاً مع دين الإسلام، فجمعوا بين المتضادات، وقلبوا الحقائق, فجعلوا الشرك توحيداً، والتوحيد ضلالاً، وسلوكاً لطريق الخوارج الذين يكفرون المسلمين، واستبعدوا أن تكون هذه الأوضاع المنتشرة في سائر أنحاء البلاد الإسلامية هي التي كان يفعلها المشركون السابقون مع معبوداتهم، لذلك حاولوا تبرير أفعاَلهم وجعلها على نهج الإسلام بأحاديث ملّفقة أو موضوعة مكذوبة أو حكايات لا قيمة لها في الشرع الإسلامي، وأقل ما يقال في تلك الأحاديث أنها ضعيفة لا يجوز أن يعتمد عليها في فرع من فروع الشرع، فكيف في أصل الأصول- العبادة - التي خلق الجن والإنس من أجلها، وأرسلت الرسل وأنزلت الكتب لإقامتها وإخلاصها لله.
إن دعاة الوثنية لا يفتئون يؤلّفون الكتب، ويزوّقون الكلام بتحسين الشرك والثناء على أهله، وتقبيح التوحيد، وعيب أهله ودعاته، ورميهم بالعظائم اتباعاً لأهوائهم وأغراضهم الدنيوية، فهم يجهدون في تحريف أدلة الكتاب والسنة حتى تتفق مع ما يقولونه أو يفعلونه، أو يفعله معظموهم من الرعاع أتباع كل ناعق، ولهذا قال هؤلاء:"العبادة هي الإتيان بأقصى غاية الخضوع قلبا وقالبا باعتقاد ربوبية المخضوع له، فإن انتفى ذلك الاعتقاد - يعنى اعتقاد الربوبية - لم يكن المأتى به من العبادة في كثير ولا قليل ولو كان سجود".
فهل يصدق العاقل أن المشركين في عهد النبوة الذين نزل فيهم القرآن- وهم أكمل عقولا من هؤلاء - يعتقدون أن الأحجار هي ربهم الذي يحييهم ويميتهم، وينزل عليهم المطر وينبت الزرع والكلأ، وما يقتاتونه هم وأنعامهم. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً