لو كان أبو تمام حيًّا حينما تناوله الآمدي في كتابه لاستغاث من تعصبه عليه وتحامله وتمثل بقول الشاعر:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذو الرأي والجدل
والبحتري إن هو إلا تلميذ لأبي تمام أخذ منه. ونأهل من فيضه ومقتفى لأثره. وإذا سألتم البحتري نفسه يقول١:
"كنت في حداثتي أروم الشعر، وكنت أرجع فيه إلى طبعي، ولم أكن أقف على تسهيل مأخذه، ووجوه اقتضائه، حتى قصدت أبا تمام، وانقطعت فيه إليه. واتَّكلت في تعريفه عليه، فكان أول ما قال لي:
يا أبا عبادة: تخيَّر الأوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم واعلم أن العادة جرت في الأوقات أن يقصد الإنسان لتأليف شيء أو حفظه في وقت السحر، وذلك أن النفس قد أخذت حظَّها من الراحة، وقسطها من النوم.
فإذا أردت التشبيب فأجعل اللفظ رقيقًا، والمعنى رقيقًا، وأكثر فيه من بيان الصبابة، وتوجع الكآبة وقلق الاشتياق ولوعة الفراق.
وإذا أخذت في مدح سيد ذي أباد، فأشهر مناقبه. وأظهر مناسبه وابن معالمه. وشرف مقامه، ونضد المعاني، وأحذف المجهول منها. وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ الرديئة. ولتكن كأنك خياط يقطع الثياب على مقادير الأجساد.
ولهذا عارضك التضجر فأرح نفسك، ولا تتعمل شعرك إلا وأنت فارغ القلب، وأجعل شهوتك لقول الشعر الذريعة إلى حسن نظمه، فإن الشهوة نعم المعين.
وجملة الحال: أن تعتبر شعرك بما سلف من شعر الماضين، فما استحسن العلماء فاقصده: وما تركوه فاجتنبه. ترشد إن شاء الله".