للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُبَالِغُ فِي الْأَمْرِ، وَقَوْلُهُ: لَأُعَرِّفَنَّكَهَا؛ أَيْ: لَأُجَازِيَنَّكَ بِهَا حَتَّى تَعْرِفَ صَنِيعَكَ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَفِقْهُهُ أَنَّ السَّلَبَ مَا كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنَّهُ لِلْقَاتِلِ لَا يُخَمَّسُ، إِلَّا أَنَّهُ أَمَرَ خَالِدًا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِكْثَارِهِ إِيَّاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ رَدُّهُ إِلَى خَالِدٍ بَعْدَ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِإِعْطَائِهِ الْقَاتِلَ نَوْعًا مِنَ النَّكِيرِ عَلَى عَوْفٍ وَرَدْعًا لَهُ وَزَجْرًا، لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ النَّاسُ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا يَتَسَرَّعُونَ إِلَى الْوَقِيعَةِ فِيهِمْ، وَكَانَ خَالِدٌ مُجْتَهِدًا فِي صَنِيعِهِ ذَلِكَ إِذْ كَانَ قَدِ اسْتَكْثَرَ السَّلَبَ، فَأَمْضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتِهَادَهُ لِمَا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ بَعْدَ أَنْ خَطَّأَهُ فِي رَأْيِهِ الْأَوَّلِ، فَالْأَمْرُ الْخَاصُّ مَغْمُورٌ بِالْعَامِّ، وَالْيَسِيرُ مِنَ الضَّرَرِ مُحْتَمَلٌ لِلْكَثِيرِ مِنَ النَّفْعِ وَالصَّلَاحِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَوَّضَ الْمَدَدِيَّ مِنَ الْخُمْسِ الَّذِي هُوَ لَهُ، وَيُرْضِي خَالِدًا بِالنُّصْحِ لَهُ وَتَسْلِيمِ الْحُكْمِ لَهُ فِي السَّلَبِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَسْخَ الشَّيْءِ قَبْلَ الْفِعْلِ جَائِزٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِرَدِّ السَّلَبِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِإِمْسَاكِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ نَسْخٌ لِحُكْمِهِ الْأَوَّلِ.

بَابُ مُبَايَعَةِ النِّسَاءِ

قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَكَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَايِعُ النِّسَاءَ؛ فَيَضَعُ ثَوْبًا عَلَى يَدِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، كُنَّ يَجِئْنَ النِّسَاءَ فَيَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَيْهِنَّ: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ) فَإِذَا أَقْرَرْنَ، قَالَ: قَدْ بَايَعْتُكُنَّ. حَتَّى جَاءَتْ هِنْدٌ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ أُمُّ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا قَالَ: (وَلَا يَزْنِينَ) قَالَتْ: أَوَتَزْنِي الْحُرَّةُ؟ لَقَدْ كُنَّا نَسْتَحِي مِنْ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَيْفَ فِي الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ، فَقَالَتْ: أَنْتَ قَتَلْتَ آبَاءَهُمْ، وَتُوصِينَا بِأَوْلَادِهِمْ؟ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: وَلَا يَسْرِقْنَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنِّي أُصِيبُ مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ: فَرَخَّصَ لَهَا.

<<  <   >  >>