الرَّابِعُ: إِذَا وَجَدَ سَمَاعَهُ فِي كِتَابِهِ، وَهُوَ غَيْرُ ذَاكِرٍ لِسَمَاعِهِ ذَلِكَ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (رَحِمَهُ اللَّهُ) وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) أَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ رِوَايَتُهُ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ (رَحِمَهُ اللَّهُ)، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ رِوَايَتُهُ.
قُلْتُ: هَذَا الْخِلَافُ يَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ قَرِيبًا فِي جَوَازِ اعْتِمَادِ الرَّاوِي عَلَى كِتَابِهِ فِي ضَبْطِ مَا سَمِعَهُ، فَإِنَّ ضَبْطَ أَصْلِ السَّمَاعِ كَضَبْطِ الْمَسْمُوعِ، فَكَمَا كَانَ الصَّحِيحُ - وَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ - تَجْوِيزَ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْكِتَابِ الْمَصُونِ فِي ضَبْطِ الْمَسْمُوعِ، حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ مَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَذْكُرُ أَحَادِيثَهُ حَدِيثًا حَدِيثًا، كَذَلِكَ لِيَكُنْ هَذَا إِذَا وُجِدَ شَرْطُهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ بِخَطِّهِ، أَوْ بِخَطِّ مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَالْكِتَابُ مَصُونٌ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَةُ ذَلِكَ مِنْ تَطَرُّقِ التَّزْوِيرِ، وَالتَّغْيِيرِ إِلَيْهِ، عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا إِذَا لَمْ يَتَشَكَّكْ فِيهِ، وَسَكَنَتْ نَفْسُهُ إِلَى صِحَّتِهِ، فَإِنْ تَشَكَّكَ فِيهِ لَمْ يَجُزِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسُ: إِذَا أَرَادَ رِوَايَةَ مَا سَمِعَهُ عَلَى مَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ:
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا عَارِفًا بِالْأَلْفَاظِ وَمَقَاصِدِهَا، خَبِيرًا بِمَا يُحِيلُ مَعَانِيَهَا، بَصِيرًا بِمَقَادِيرِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهَا، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْوِيَ مَا سَمِعَهُ إِلَّا عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute