للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُفَصِّلْ.

وَقَدْ رُوِّينَا ... عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: " انْقُصْ مِنَ الْحَدِيثِ مَا شِئْتَ، وَلَا تَزِدْ فِيهِ ... ".

وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ مِنَ الْعَالِمِ الْعَارِفِ إِذَا كَانَ مَا تَرَكَهُ مَتَمِيِّزًا عَمَّا نَقَلَهُ، غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِهِ، بِحَيْثُ لَا يَخْتَلُّ الْبَيَانُ، وَلَا تَخْتَلِفُ الدَّلَالَةُ فِيمَا نَقَلَهُ بِتَرْكِ مَا تَرَكَهُ، فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، وَإِنْ لَمْ يَجُزِ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى ; لِأَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ وَالَّذِي تَرَكَهُ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - بِمَنْزِلَةِ خَبَرَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ فِي أَمْرَيْنِ لَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.

ثُمَّ هَذَا إِذَا كَانَ رَفِيعَ الْمَنْزِلَةِ، بِحَيْثُ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ تُهْمَةٌ، نَقَلَهُ أَوَّلًا تَمَامًا، ثُمَّ نَقَلَهُ نَاقِصًا، أَوَنَقَلَهُ أَوَّلًا نَاقِصًا، ثُمَّ نَقَلَهُ تَامًّا.

فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ: أَنَّ مَنْ رَوَى حَدِيثًا عَلَى التَّمَامِ، وَخَافَ إِنْ رَوَاهُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى النُّقْصَانِ أَنْ يُتَّهَمَ بِأَنَّهُ زَادَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ، أَوْ أَنَّهُ نَسِيَ فِي الثَّانِي بَاقِيَ الْحَدِيثِ لِقِلَّةِ ضَبْطِهِ، وَكَثْرَةِ غَلَطِهِ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفِيَ هَذِهِ الظِّنَّةَ عَنْ نَفْسِهِ.

وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ الْفَقِيهُ: أَنَّ مَنْ رَوَى بَعْضَ الْخَبَرِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ تَمَامَهُ، وَكَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِأَنَّهُ زَادَ فِي حَدِيثِهِ، كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ الزِّيَادَةِ وَكِتْمَانِهَا.

قُلْتُ: مَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَنْ يَرْوِيَ الْحَدِيثَ غَيْرَ تَامٍّ، إِذَا كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَدَاءُ تَمَامِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا رَوَاهُ

<<  <   >  >>