قال: لا يؤثر حتى يصير مؤثرا ولا يصير مؤثرا حتى يصير مؤثرا لم يصر مؤثرا بحال.
وأما إذا قيل: لا يكون مؤثرا في هذا حتى يؤثر في شيء آخر ولا يكون مؤثرا في ذلك الشيء حتى يكون مؤثرا في شيء قبله فهذا تسلسل في الآثار والتأثيرات المتعاقبة ليس هو تسلسلا في نفس أصل كونه مؤثرا فالتأثير الثاني ليس موقوفا على كون المؤثر في نفسه مؤثرا فإنه مؤثر بنفسه بل على حدوث تأثير قبل هذا التأثير فيلزم وجود تأثيرات متعاقبة فإن كان المؤثر مؤثرا في نفسه جاز ذلك.
ومعنى ذلك أن الرب تعالى لا يتوقف كونه خالقا على غيره أصلا وأما كونه خالقا لهذا فقد يكون مشروطا بخلقه لغيره فالتسلسل في التأثيرات المعينة تسلسل في الآثار.
وأما التسلسل في أصل الخلق فهو تسلسل في أصل التأثير وذلك ممتنع بخلاف التأثيرات المتعاقبة لآثار متعاقبة وأن كل تأثير في غير ما أثر فيه الأول وهذا تسلسل في الآثار وفي التأثيرات هي آثار لغيرها ليس تسلسلا في نفس أصل التأثير فإنه مؤثر بنفسه والممتنع هو أن لا يصير الشيء مؤثرا حتى يصير مؤثرا ولا يصير خالقا حتى يصير خالقا.
وبهذا احتج أئمة السنة رضي الله عنهم فإن الله قد قال:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(سورة النحل ٤٠) وقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(سورة يس ٨٢)