وأيضا فإن الموجب بالذات قد يراد به ما تكون مجرد ذاته العارية عن الصفات والأفعال مستلزمة لموجبه وعلى هذا فيحصل الفرق بين مسمى الموجب بالذات ومسمى الفاعل بالاختيار وقد يراد به ما يوجب بذاته الموصوفة بالصفات والمشيئة والفعل وعلى هذا فكونه موجبا بالذات لا ينافي كونه فاعلا بالاختيار.
فقولهم: إن الترجيح بدون مرجح تام ممتنع في الموجب بالذات دون الفاعل بالاختيار قول باطل لأنه حينئذ قد يكون فاعلا باختياره وعند حصول القدرة التامة والإرادة الجازمة يجب وجود الفعل فيكون موجبا بذاته الموصوفة بالقدرة والاختيار لا بذات مسلوبة القدرة والاختيار.
وغاية ما يمكن أن يقال في الاعتذار عن تناقض هؤلاء أن القديم المختار له أن يرجح أحد مقدوريه بدون مرجح بدون المحدث المختار لأن المحدث لا يتصور حدوث شيء منه إلا من غيره فإن كونه قادرا مريدا وفاعلا إنما هو من غيره فنفس ذاته ليس من لوازمها أن تكون قادرة مريدة فاعلة بل ذلك لها من غيرها فلهذا لا يرجح بغير مرجح وهي إذا افتقرت إلى مرجح فالمرجح يحدث من الله تعالى بخلاف القديم الواجب بنفسه سبحانه فإنه هو المحدث لكل ما سواه وهو بنفسه مستغن عن كل ما سواه فيمكنه ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح.