وهؤلاء لما ظنوا أن كمال الإنسان في أن يعرف الوجود فقط وظنوا أن ما ذكروه يحصل به معرفة الوجود ظنوا أن العارف منهم لا تجب عليه العبادات الشرعية ولا تحرم عليه المحرمات الشرعية حتى صار المثل يضرب بهم فيقول المترسل في رسائله:"إنهم استحلوا حرمتي كاستحلال الفلاسفة محظورات الشرائع".
ولهذا صارت الملاحدة الباطنية تسلك هذا المسلك فيسقطون الواجبات الشرعية عن البالغين منهم ويبيحون لهم المحرمات الشرعية والملاحدة الباطنية من الصوفية سلكوا نوعا من هذا وإن كانوا لا يصلون إلى إلحاد ملاحدة الإسماعيلية ونحوهم من المنتسبين إلى التشيع مع اتفاق الشيعة المسلمين على أنهم كفار وهؤلاء الطوائف براء من الحنيفية ملة إبراهيم بل من أتباع المرسلين كلهم.
فإن الله تعالى أرسل الرسل ليدعوا الخلق إلى عبادته وحده لا شريك له كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}(سورة الذاريات ٥٦) وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}(سورة الأنبياء ٢٥) وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(سورة النحل ٣٦) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(سورة البقرة ٢١) .
وأخبر عن كل نبي أنه دعا قومه إلى ذلك فقال عن نوح:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(سورة الأعراف ٥٩) وقال عن هود