العلم الإلهي خير من مقالتهم ومقالات أهل البدع الداخلين في الملل حتى الجهمية والمعتزلة ونحوهم من الطوائف التي تذمها أئمة أهل الملل هي خير من مقالتهم وأعني بذلك مقالة أرسطو وأتباعه وأما ما نقل عن الأساطين قبله فقولهم أقرب إلى الحق من قوله.
الخامس: أن الصفة اللازمة للنفس الناطقة التي هي الحب والإرادة لم يتكلموا في كمالها ولا صلاحها فإن الشهوة والغضب متعلقان بالبدن إما لجلب منافعه وإما لدفع مضاره ولهذا يؤمر فيهما بالعدل بخلاف حب النفس لمعبودها وإلهها وبغضها لغيره وهذا هو حقيقة الحنيفية وهي حقيقة وقول لا إله إلا الله فهذا ليس لهم منه حظ أصلا ولهذا كان الشرك غالبا عليهم بل هم معطلون في العبادة شر من المشركين كما قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(سورة غافر ٦٠) وهؤلاء مستكبرون عن عبادة الله بل وعن جنس العبادة مطلقا وهم ممن يتناوله قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}(سورة غافر ٥٦) .
وسبب ذلك أنهم لا يجعلون للنفس بعد مفارقتها حركة أصلا بل تبقى عقلا محضا عندهم والعقل في اصطلاحهم هو الروحاني العاقل الذي ليس فيه حركة أصلا ولا له إرادة وطلب ومحبة بل كل ما يمكن أن يكون له فهو له أزلا وأبدا.
وهم يزعمون أن الأول الصادر عن واجب الوجود هو العقل الأول.