الذهن ليس في الخارج شيء يعم جميع الأشياء ولا وجود يعم جميع الموجودات.
ومن المعروف عندهم وعند غيرهم أن الكليات إنما توجد كليات في الأذهان لا في الأعيان وهم قد جعلوا الكليات ثلاثة الطبيعي والعقلي والمنطقي فالطبيعي أن يوجد الكلي مطلقا لا بشرط الإطلاق كما إذا أخذ الإنسان مطلقا والحيوان مطلقا من غير تقييد بوجود ولا عدم ولا وحده ولا كثرة ولا غير ذلك من القيود.
والمنطقي ما يعرض له من العموم والكلية فإن المنطقي ينظر في عموم هذا وخصوصه فكونه عاما وخاصا هو موضوع نظر المنطقي.
والمركب منهما هو العقلي وهو الإنسان بشرط كونه عاما ومطلقا وهو المطلق بشرط الإطلاق وهذا يسلمون كلهم أنه لا يوجد إلا في الذهن إلا من قال بالمثل الأفلاطونية.
وأما الطبيعي فقد يقولون هو موجود في الخارج وقد ينازع منازع في ذلك وفصل الخطاب أنه موجود في الخارج لكن لا يكون كليا في الخارج فليس في الخارج ما هو كلي في الخارج بل ما يوجد كليا في الذهن يوجد في الخارج معينا مشخصا مخصوصا مقيدا وقولهم هذا موجود في الخارج كما يقال لما يتصور في النفس إنه موجود في الخارج وكما يقال فعلت ما في نفسك وقلت ما في نفسك ونحو ذلك فإن الشيء موجود في نفسه ثم الذهن يتصوره ثم يعبر اللسان عن ما تصوره الذهن ثم يكتب بالخط عبارة اللسان ولهذا يقال للشيء أربع وجودات وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في اللسان ووجود في البنان وجود عيني وعلمي ولفظي ورسمي.