أعلم أن الخبر تضمن إثبات اليمين وتخمير الطين وخلط بعضه ببعض، وغير ممتنع إضافة ذَلِكَ إلى اليد التي خلق بها آدم ليس فِي ذَلِكَ ما يحيل صفاته، لأنا لا نحمل إثبات اليمين والتخمير والخلط عَلَى معنى الجارحة والعضو ومعالجة وممارسة، بل نطلق ذَلِكَ كما أطلقنا قوله: خلقت بيدي عَلَى ظاهره.
فإن قيل: يحمل قوله خمر وخلط عَلَى ما تقدم فِي الخبر الذي قبله، وهو أنه خمرها وخلطها بملكه وقدرته، أو أمر بعض المخلوقين من ملائكته بفعل ذَلِكَ.
قيل: هَذَا غلط لما تقدم من الجواب فِي الخبر الذي قبله، وهو أن فيه إسقاط فائدة التخصيص لأن قدرته تعم سائر الأشياء ولأن للقدرة اسما أخص به، ولأنه إن جاز ذَلِكَ هاهنا جاز فِي قوله: خلقت بيدي.
فإن قيل: إنما لم يحمل قوله: خلقت بيدي عَلَى القدرة، لأن فيه إبطال تفضيل آدم عَلَى إبليس، وليس فِي حمله هاهنا عَلَى القدرة إبطال ذَلِكَ.
قيل: فِي حمله عَلَى القدرة هاهنا إبطال فضيلة آدم أيضا، لأنه من هَذِهِ الطينة خلق، ولا يصح حمله أيضا عَلَى يد بعض المخلوقين ولا القدرة لما ذكرنا فِي الخبر الذي قبله، ولأن فِي الخبر ما يسقط ذَلِكَ، وهو قوله:" فخرج كل طيب فِي يمينه وكل خبيث فِي يده الأخرى "، وهذا صريح فِي إبطال القدرة لأن القدرة لا توصف باليمين والشمال، ولأن يد غير الله سُبْحَانَهُ لا توصف بأنه يخرج منها الخبيث والطيب، لأن هَذَا ابتداء خلق، وهو ما يختص الله به سُبْحَانَهُ.
فإن قيل: يحمل قوله: " فخرج كل طيب بيمينه " أي: بما أنعم عليه من توفيقه وتسديده، وكل خبيث فِي اليد الأخرى بما حرمه من معونته ونصرته، والعرب تستعمل لفظة اليمين عَلَى معنى الحظ والجد كما قَالَ القائل: