ثم قَالَ ابن بطة بعده: ومما يشهد لصحة هَذَا التأويل، وأن الريح من نفس ربكم إنما أراد بالنفس: الفرج والروح، ما سمعت أَبَا بكر بن الأنباري يَقُول: إنما سميت الريح ريحا لأن الغالب عليها فِي هبوبها المجيء بالروح والراحة، وانقطاع هبوبها يكسب الكرب والغم والأذى، فهي مأخوذة من الروح وأصلها روح فصارت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
ثم قَالَ: فهذا ما قاله أهل العلم بتأويل الكتاب والسنة وكلام العرب فِي تأويل الريح، ومعنى النفس بها، وفي كتاب الله تَعَالَى ما دل علي أنها بمعنى الفرج من الغم، والنفس من الكرب، أن الغم والضيق يكونان بركودها، قوله جل وعز:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا} وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} وقوله: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ}
٢٤٧ - وفي معنى ذَلِكَ حديث آخر رواه ابن فورك، ولم يقع لي طريقه أنه قَالَ:" هَذَا نفس ربي أجده بين كتفي أتتكم الساعة " معناه: هَذَا فرج الله عني صرف به غمومي وهمومي وكشف عن قلبي وسري عن فؤادي ما كان يجده، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مستقبل أوقاته، من زوائد روح اليقين والألطاف، فسمى ذَلِكَ نفس الرب، لأنه هو الذي نفس به عنه، والإضافة عَلَى طريق الملك، والموجب لحمله عَلَى ذَلِكَ ما تقدم فِي الخبر الأول، وقد بينا أن فيه ما دل عليه.