فِيهِمْ، وَهُوَ عَدَمُ الإِدْرَاكِ فِي أَبْصَارِهِمْ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحْتَجِبًا وَلا مَحْجُوبًا بِحِجَابٍ لأَنَّ مَا سُتِرَ بِالْحِجَابِ، فَالْحِجَابُ أَكْبَرُ مِنْهُ وَيَكُونُ مُتَنَاهِيًا مُحَاذِيًا جَائِزًا عَلَيْهِ الْمَمَاسَّةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فَجَعَلَ الْكُفَّارَ مَحْجُوبِينَ عَنْ رُؤْيَتِهِ لِمَا خُلِقَ فِيهِ مِنَ الْحِجَابِ، وَيُبَيِّنُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُضِفِ الْحِجَابَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ أَطْلَقَ ذِكْرَ الْحِجَابِ.
وَيُبَيِّنُ صِحَّةُ هَذَا مَا رَوَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، رَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَرَّ بِقَصَّابٍ وَهُوَ يَقُولُ: لا وَالَّذِي احْتَجَبَ بِسَبْعَةِ أَطْبَاقٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَيْحَكَ يَا قَصَّابُ إِنَّ اللَّهَ لا يَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِهِ " وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: " إِنَّ اللَّهَ لا يَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِهِ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ حَجَبَ خَلْقَهُ عَنْهُ "
قِيلَ: هَذَا غَلَطٌ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّنَا نُثْبِتُ حِجَابًا لا يُفْضِي إِلَى التَّنَاهِي وَالْمُحَاذَاةِ وَالْمَمَاسَّةِ، كَمَا أَثْبَتْنَا رُؤْيَتَهُ لا عَلَى وَجْهِ التَّنَاهِي وَالْمُحَاذَاةِ.
وَقَوْلُهُ: " لَمْ يُضِفِ الْحِجَابَ إِلَيْهِ " غَلَطٌ لأَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: " حِجَابُهُ النُّورُ " وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الإِضَافَةِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فَلَسْنَا نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ فِي حِجَابٍ عَنْ رَبِّهِمْ، وَلا نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ دُونَهُ حِجَابٌ مِنْ نُورٍ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِذَلِكَ، فَلَيْسَ فِي الآيَةِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى الْقَصَّابِ حِجَابًا مَعْقُولا، لأَنَّ الْقَصَّابَ قَالَ: احْتَجَبَ بِالسَّمَوَاتِ، فَرَجَعَ الإِنْكَارُ إِلَى ذَلِكَ، وَنَحْنُ لا نَصِفُ الْحِجَابَ بِذَلِكَ
وَعَلَى أَنَّهُ يُعَارِضُ قَوْلَ عَلِيٍّ مَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ دُونَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute